البوسنه والهرسك
بوسنة والهرسك (بالبوسنية، الكرواتية والصربية اللاتينية: Bosna i Hercegovina; الصربية السريلية: Босна и Херцеговина) هي دولة في جنوب وجنوب شرق أوروبا، تقع داخل البلقان وفي منتصف الدول التي كانت تشكل دولة يوغوسلافيا السابقة. وسراييفو هي العاصمة وأكبر مدينة وتعد مدينة موستار ثاني أكبر مدينة في البوسنة والهرسك.[10][11]
البوسنة والهرسك دولة غير ساحلية تقريبًا – إلى الجنوب لديها ساحل ضيق جدا على البحر الأدرياتيكي ، يبلغ طوله حوالي 20 كيلومترًا (12 ميلًا) ويحيط ببلدة نيوم. يحدها من الشرق صربيا، و الجبل الأسود من الجنوب الشرقي، و كرواتيا المحيطة بالشمال والجنوب الغربي. في المناطق الداخلية الوسطى والشرقية من البلاد، تكون الجغرافيا جبلية، في الشمال الغربي من التلال المعتدلة، والشمال الشرقي من الأرض المسطحة في الغالب. الداخلية، البوسنة، هي منطقة أكبر جغرافيا ولها مناخ قاري معتدل، مع صيف حار وشتاء بارد وثلجي. الطرف الجنوبي، الهرسك، لديه مناخ البحر الأبيض المتوسط ومعظم التضاريس الجبلية.
تعود البوسنة والهرسك إلى مستوطنة بشرية دائمة تعود إلى العصر الحجري الحديث، وبعد ذلك كان يسكنها العديد من الحضارات الإليرية والسلتية. ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، للبلاد تاريخ ثري، حيث استقرت أولاً الشعوب السلافية التي تسكن المنطقة اليوم من القرن السادس إلى القرن التاسع. في القرن الثاني عشر، تم تأسيس مذهب البوسنة، والذي تطور إلى مملكة البوسنة في القرن الرابع عشر ، وبعد ذلك تم ضمه إلى الإمبراطورية العثمانية، التي ظل تحت حكمها من منتصف القرن الخامس عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر. جلب العثمانيون الإسلام إلى المنطقة، وغيروا الكثير من النظرة الثقافية والاجتماعية للبلاد. وأعقب ذلك ضم إلى الملكية النمساوية المجرية، والتي استمرت حتى الحرب العالمية الأولى. في فترة ما بين الحربين، كانت البوسنة والهرسك جزءًا من مملكة يوغوسلافيا وبعد الحرب العالمية الثانية ، مُنحت مكانة جمهورية كاملة في العهد الجديد شكلت جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية. بعد حل يوغوسلافيا، أعلنت الجمهورية الاستقلال في عام 1992، والتي أعقبتها حرب البوسنة التي تعتبر حرب مزقت البوسنة والهرسك ودمرت البلاد، استمرت حتى أواخر عام 1995.
نمت السياحة في البوسنة والهرسك بمعدلات من رقمين في السنوات الأخيرة. تشتهر البوسنة والهرسك إقليمياً ودولياً ببيئتها الطبيعية وتراثها الثقافي الموروث من ست حضارات تاريخية، ومطبخها، ورياضاتها الشتوية، وموسيقاها المميزة والفريدة، والهندسة المعمارية، ومهرجاناتها، وبعضها أكبرها وأبرزها طيب في جنوب شرق أوروبا. البلد موطن لثلاث مجموعات عرقية رئيسية أو، رسميا، الشعوب المكونة، على النحو المحدد في الدستور. البوشناق هم أكبر مجموعة من الثلاثة، مع الصرب في المرتبة الثانية والكروات في المركز الثالث. عادة ما يتم تعريف مواطن من البوسنة والهرسك، بغض النظر عن العرق، باللغة الإنجليزية على أنه بوسني. الأقليات، التي تم تعريفها بموجب التسمية الدستورية “آخرون” ، تشمل اليهود والغجر والبولنديين والأوكرانيين والأتراك. لدى البوسنة والهرسك هيئة تشريعية من مجلسين ورئاسة ثلاثة أعضاء تتكون من عضو في كل مجموعة عرقية رئيسية. ومع ذلك، فإن سلطة الحكومة المركزية محدودة للغاية، حيث أن البلاد لا مركزية إلى حد كبير وتضم كيانين مستقلين: اتحاد البوسنة والهرسك وجمهورية صربسكا، مع وحدة ثالثة، مقاطعة برتشكو، يحكمها الحكم المحلي. يتكون اتحاد البوسنة والهرسك من 10 كانتونات.
تحتل البوسنة والهرسك مرتبة عالية من حيث التنمية البشرية، ولديها اقتصاد يهيمن عليه قطاعا الصناعة والزراعة، يليهما قطاعا السياحة والخدمات. يوجد في البلد نظام للضمان الاجتماعي والرعاية الصحية الشاملة، والتعليم الابتدائي والثانوي مجاني. وهي عضو في الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومجلس أوروبا، الشراكة من أجل السلام، اتفاقية التجارة الحرة لأوروبا الوسطى، وعضو مؤسس للاتحاد من أجل المتوسط عند إنشائه في يوليو 2008. البلد متقدم للحصول على العضوية في الاتحاد الأوروبي ، وكان مرشحًا لعضوية الناتو منذ أبريل 2010، عندما تلقت خطة عمل العضوية.
أصل تسمية البوسنه والهرسك
اكتسبت البوسنة اسمها على الراجح من اسم أشهر أنهارها، وهو نهر البوسنة النابع من سفح جبل إيغمان الواقع جنوبي البلاد على مقربةٍ من العاصمة ويمتد في أنحاء البلاد مروراً بثلاث من كبريات مدن البلاد وهي: سراييفو وزينيتسا ودوبوي بطوله البالغ 303 كم، أي 188م وتتفرَّع منه فروعٌ كثيرة يبلغ طولها نحو 10480 كم، أي 6513م تُغذِّي مُختلف أنحاء البلاد تصُبُّ في نهر صاوة في الشمال وربّما كانت تسمية نهر البوسنة مُقتبسةٌ من الكلمة الإيليرية بوسينوس أو من كلمة بوس التي تعني الماء الجاري في اللغة الإيليرية.
ذهب بعضُ المُؤرِّخين إلى أنَّ الشعوب السلافية المهاجرة من القوقاز إلى البلقان، جلبت هذا الاسم معها وأطلقته على الإقليم بعد أن استوطنته، وبموجِب هذا الرأي يكون اسماً طارئاً على البوسنة، ورد عليها من خارجها بينما يرى آخرون أنَّه مُشتقٌ من كلمة باساتي القديمة، أو كلمة باز التي تعني الملح، إذ تشتهر به بعض مناطق البوسنة، ومنها توزلا حتى إن عوائد الآبار المالحة فيها كانت إحدى الموارد الاقتصادية الهامة في البلاد، وكان ينفق منها على المؤسسات التعليمية كالمدارس والكتاتيب بتوزلا العليا والدنيا، حتى الاحتلال النمساوي المجري للبوسنة سنة 1295هـ/1878.
استعمِل اسم البوسنة للدلالة على كيانٍ جُغرافي وسياسي مُستقِل منذ القرن الرابع للهجرة/العاشر للميلاد، حين كانت المنطقة كسائر مناطق البلقان مرتعاً خِصباً للإقطاع وكان أقدم استعمال موثق لهذه التسمية ورد في كتاب بعنوان إدارة الإمبراطوريَّة والذي ألفه وكتبه الإمبراطور البيزنطي قسطنطين السابع عام 346هـ/958م، وقد أطلق فيه اسم البوسنة على المنطقة الواقعة حول مجرَيَي نهر البوسنة الأعلى والأوسط، والتي لم تكن تشمل سوى مدينتين هما: كاتيرا وديسنيك.[12]
تاريخ البوسنه والهرسك
مقالة مفصلة: تاريخ البوسنة
الفترة ماقبل السلافية (حتى 958 م)
مقالة مفصلة: التاريخ القديم للبوسنة والهرسك
يرجع تاريخ استيطان البشر في البوسنة إلى العصر الحجري الحديث. وفي أوائل العصر البرونزي أتى إليها أناس أكثر عدوانية من سكان العصر الحجري الحديث، ويعتقد بأنهم إيليريون وهم أوائل الأصول هندو-أوروبي ثم جاءت هجرات السلت إليها في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد فطردوا سكانها من الشعوب الإليريينة من تلك المناطق، ولكن بقي فيها الكثير منهم ممن اختلط مع القادمين الجدد. هناك نقص واضح من الأدلة في تلك الحقبة التاريخية، ولكن بشكل عام، سكن تلك المنطقة أناس عديدون ممن يتكلمون لغات مختلفة. وفي بدايات سنة 229 قبل الميلاد بدأ التوتر والمشاكل تظهر ما بين الإليريين والرومان، لكن الرومان لم يتمكنوا من استكمال ضم تلك المنطقة إلا في سنة 9 م. وفي العهد الروماني بدأ يقطن فيها ساكنون جدد من الناطقين باللاتينية من جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وشجعوا الجنود الرومان المتقاعدين بالسكن في هذه المنطقة.[13]
في تلك الفترة كانت البوسنة جزءا من إيليريا حتى مجيء الاحتلال الروماني. وبعد تقسيم الإمبراطورية ما بين سنة 337 و395، ألحقت دالماسيا وبانونيا بالإمبراطورية الرومانية الغربية. وهناك ادعاءات تقول بأن تلك المنطقة قد تم غزوها من قبل القوط الشرقيون في 455 م. ثم تغير حكامها لاحقا ما بين الآلان والهون. ولم يأت القرن السادس إلا وقد غزاها الإمبراطور جستنيان الأول وضمها للإمبراطورية البيزنطية. وفي القرن السادس غزا الأڤار مناطق السلاف في أوروبا الشرقية.
البوسنة والهرسك في العصور الوسطى (958–1463)
مقالة مفصلة: مملكة البوسنة

ميثاق بان كولين- وهي معاهدة مع جمهورية دبروفنيك أو راجوزا. وهي محفوظة في متحف في سانت بطرسبرغ روسيا
تتضارب المعلومات الحديثة مع ندرتها عن الحالة السياسية في غرب البلقان خلال بداية العصور الوسطى. فعند وصول السلاف إلى تلك المناطق جالبين معهم نظامهم الاجتماعي القبلي الذي انهار أمام النظام الإقطاعي مع تغلغل الفرنجة في تلك المنطقة أواخر القرن التاسعالميلادي. وخلال تلك الفترة كان التبشير في مناطق السلاف الجنوبيين يجري على قدم وساق. لذا فالبوسنة، بحكم موقعها الجغرافي والتضاريسي، كانت من أواخر المناطق التي اعتنقت المسيحية، مع أنها نشئت من المراكز الحضرية على طول الساحل الدلماشي. وقد توزعت السيطرة على البوسنة خلال القرنين التاسع والعاشر ما بين إمارتي صربيا وكرواتيا، لكن الظروف السياسية في أواسط العصور الوسطى التي أدت إلى المنافسة على استحواذ المنطقة ما بين مملكة المجر والإمبراطورية البيزنطية. فبعد تبدل القوى في القرن الثاني عشروجدت البوسنة نفسها أنها خارج من أي سيطرة فبرزت كدولة مستقلة باسم إمارة محلية أو (بان).
أول ملك بوسني هو بان كولين، الذي حكمها لمدة ثلاثة عقود ساد خلالها السلام والاستقرار في البلاد، وعزز اقتصاد البلاد عن طريق المعاهدات مع البندقية وراجوزا. حكمه يمثل بداية لمشكلة الكنيسة البوسنية، فقد تم اتهام الطائفة المسيحية من الأهالي الأصليين بالهرطقة من كل من الكنيسة الرومانية والكنيسة الصربية. وردا للمحاولات الهنغارية في استخدام السياسة الكنسية في تلك القضية كمحاولة لإستعادة سيطرتها على البوسنة، فقد عقد كولين مجلسا لقادة الكنائس المحليين ليتخلى عما أسماه بالبدع واعتناق الكاثوليكية سنة 1203. وعلى الرغم من هذا فلا تزال الطموحات الهنغارية على البوسنة قوية حتى بعد وفاة كولين سنة 1204 بفترة طويلة، لكنها توقفت بعد محاولة فاشلة لاحتلالها سنة 1254.
وبعد ذلك اتسم تاريخ البوسنة وحتى أوائل القرن الرابع عشر بالصراع على السلطة بين عائلتين ملكيتين. وقد انتهى ذلك النزاع عندما أصبح ستيفن الثاني بان للبوسنة سنة 1322، وقد استولى على أراض كثيرة ولم يمت حتى كانت البوسنة قد تمددت وأخذت مناطق من دلماشيا شمال البوسنة وغربها. وقد تبعه بالحكم ابن أخيه تفيرتكو الأول الذي لم يستطع أن يسيطر على كامل البلاد سنة 1367 إلا بعد صراع طويل داخل الأسرة المالكة ومع الأمراء والنبلاء، وقد نصب نفسه باسم الملك ستيفن تفرتكو الأول ملك راسكا والبوسنة ودلماشيا وكرواتيا وساحل البحر.
وبعد وفاة تفيرتكو الأول سنة 1391 تراجعت البوسنة وبدأ الضعف يدب بها، وفي المقابل بدأت الدولة العثمانية بالصعود واستولت على أراض في أوروبا وإن كانت تمثل تهديدا خطيرا على البلقان بداية من النصف الأول للقرن الخامس عشر. حتى تم الاستيلاء على البوسنة في 1463 م وتبعتها الهرسك في 1482 م
البوسنة والهرسك في فترة الحكم العثماني
مقالة مفصلة: تاريخ البوسنة والهرسك (1463-1878)
اتسمت الفتوحات العثمانية للبوسنة والهرسك بظهور عهد جديد في تاريخ تلك الدولة وحدوث تغييرات جذرية في الوضع السياسي والمشهد الثقافي في المنطقة. مع أن العثمانيين أنهوا تلك المملكة وقضوا على الكثير من الأمراء، إلا أنهم سمحوا للبوسنة بالحفاظ على هويتها عن طريق إدراجها كمقاطعة لا تتجزأ من الإمبراطورية العثمانية مع البقاء على اسمها التاريخي وسلامة أراضيها — وهي حالة فريدة من بين دول البلقان التي خضعت لهم.[14]
تمكن العثمانيون من إدخال عدد من التغييرات في الإدارة الاجتماعية والسياسية في سنجق (لاحقا سميت ولاية) البوسنة؛ من ضمنها نظام تملك الأراضي الجديدة، وإعادة تنظيم الوحدات الإدارية، وأدخلوا أيضا نظاما معقدا من التمايز الاجتماعي حسب الانتماء الطبقي والديني.
وكان تأثير القرون الأربع من حكم العثمانيين بالغ الأثر على تركيبة سكان البوسنة، والتي تغيرت مرات عدة نتيجة للفتوحات الجديدة للدولة العثمانية وحروبها المتكررة مع قوى أوروبية والهجرات والأوبئة. فالطائفة المسلمة ذات الأصول السلافية أضحت بالنهاية من أكبر الطوائف العرقية والدينية، وذلك نتيجة للارتفاع التدريجي في عدد الذين دخلو الإسلام.
وخلال أواخر القرن الخامس عشر أتت أعداد كبيرة من يهود سفارديون بعد طردهم من إسبانيا. كما شهدت الطوائف المسيحية البوسنية تغييرات كبيرة. فالبوسنيون الفرانسيسكان (السكان الكاثوليك بشكل عام) كانوا تحت حماية فرمان رسمي من الباب العالي. وطائفة الأرثوذكس في البوسنة – وكانت متقوقعة في الهرسك ودرينا – فقد انتشروا في جميع أنحاء البلاد خلال تلك الحقبة وشهدوا بعض الازدهار حتى القرن التاسع عشر. وفي تلك الفترة اختفت الكنيسة البوسنية المنشقة تماما.
عندما نمت الدولة العثمانية وتوسعت داخل أوروبا الوسطى، خفف ذلك من الضغط على البوسنة كولاية حدودية، وشهدت نموا وازدهارا لفترات طويلة. وظهرت فيها مدن جديدة كسراييفو وموستار التي أضحت من كبريات المراكز التجارية والحضرية في المنطقة. وقد شيد العديد من السلاطين والحكام المحليين الكثير من الأبنية المهمة من العمارة البوسنية داخل تلك المدن (مثل جسر ستاري موست ومسجد غازی خسرو بیگ). بالإضافة إلى أن العديد من البوسنيين لعبوا أدوارا مؤثرة في الثقافة العثمانية وتاريخها السياسي خلال تلك الحقبة.[14] فالجنود البوسنيين شكلوا جزءا كبيرا في التشكيلات العسكرية العثمانية في معركتي موهاج وكربافا، وكان لهما فيها نصر عسكري مؤزر، في حين أن العديد منهم ارتقوا في المراتب العسكرية ونالوا مناصب عليا في الدولة العثمانية كقواد الأساطيل وأمراء جيوش ووزراء. والكثير منهم كان لهم تأثير على الثقافة العثمانية، كالصوفية والعلماء والشعراء بلغات تركية وعربية وفارسية.
لكن مع أواخر القرن السابع عشر بدأت المشاكل تحاصر الجيوش العثمانية، وظهرت نتائج الحروب العثمانية الكبرى في معاهدة كارلوفيتز سنة 1699 والتي قلصت الحدود العثمانية وصار سنجق البوسنة مقاطعة على الحدود الغربية للدولة. ثم شهدت المئة سنة التالية المزيد من الهزائم العسكرية، وتفشي الطاعون واندلاع الثورات داخل البوسنة. فمحاولات الباب العالي لتحديث الدولة وتطويرها قوبل بعداء شديد في البوسنة، حيث وقفت الأسر الاستقراطية في المنطقة حائلا دون حدوث الإصلاحات المقترحة خوفا من فقدان امتيازاتهم. وقد تراكمت هذه مع خيبة الأمل من التنازلات السياسية التي أعطيت للدويلات المسيحية الناشئة في شرق البلاد، وتوجت بالتمرد الشهير (وإن فشل في نهاية المطاف) الذي قاده حسين كراداسفيتش سنة 1831. ولم تمض سنة 1850 حتى تم إخماد باقي الثورات الأخرى، ولكن الوضع استمر في التدهور. فاندلعت اضطرابات المزارعين التي أشعلت ثورة الهرسكيين، وهي انتفاضة واسعة النطاق للفلاحين سنة 1875. وسرعان ماتطور هذا النزاع لتدخل به العديد من دول البلقان والقوى العظمى، مما أجبر العثمانيين في نهاية المطاف بالتنازل عن إدارة البلد إلى النمساوية المجرية عن طريق معاهدة برلين سنة 1878.
تحت حكم الإمبراطورية النمساوية-المجرية
مقالة مفصلة: تاريخ البوسنة والهرسك (1878–1918)
على الرغم من أن الحكومة النمساوية-الهنغارية تفاهمت وبسرعة مع البوسنيين، لكن التوترات في مناطق معينة من البلاد (وخاصة الهرسك) لا تزال موجودة، وقد حدثت هجرة جماعية لغالبية المنشقين السلاف. ومع هذا فالبلاد وصلت إلى حالة من الاستقرار النسبي وباشرت السلطات النمساوية الهنغارية إلى إجراء عدد من الإصلاحات الاجتماعية والإدارية التي تهدف من جعل البوسنة والهرسك “مستعمرة نموذجية”. وقد كان الهدف من إنشاء هذه المقاطعة باعتبارها نموذج سياسي مستقر من شأنه أن يساعد في وقف زيادة النعرة القومية السلافية الجنوبية. وقد فعلت حكومة هابسبورج الكثير لتدوين القوانين، ولإدخال ممارسات سياسية جديدة، وذلك لتحديث البلد. وبنت الإمبراطورية النمساوية الهنغارية ثلاثة كنائس كاثوليكية في سراييفو، وهذه الكنائس الثلاث هي من بين 20 كنيسة كاثوليكية في البوسنة. وعلى الرغم من هذا النجاح الاقتصادي، والسياسة النمساوية الهنغارية التي كانت تركز بالدعوة إلى المثل العليا للتعددية وبناء أمة بوسنية متعددة الطوائف (رغب بها المسلمون وإلى حد كبير) لكنها فشلت في كبح جماح المد المتصاعد للقومية. وانتشر بالفعل مفهوم القومية الكرواتية والصربية بين مجتمعات الكاثوليك والأرثوذكس في البوسنة والهرسك من كرواتيا وصربيا المجاورتين منذ منتصف القرن التاسع عشر. وكانت متجذرة بقوة للسماح بقبول بشكل واسع لفكرة موازية للأمة البوسنية. في النصف الأخير من العقد الثاني 1910، كانت القومية عاملا لا يتجزأ من الحياة السياسية البوسنية، والأحزاب القومية منسجمة مع مجموعاتها العرقية الثلاث للهيمنة على الانتخابات.
وخلال تلك الفترة راجت بالمنطقة فكرة إقامة دولة موحدة للدول السلافية الجنوية في الفكر السياسي بما في ذلك البوسنة والهرسك، وكان لقرار الإمبراطورية النمساوية المجرية ضم إقليم البوسنة والهرسك لها رسميا في 1908 بالغ الأثر في زيادة هذا الشعور لدى هؤلاء القوميين، عارضت روسيا ضم البوسنة والهرسك لكن في نهاية المطاف أقرت روسيا السيادة النمساوية على البوسنة مقابل وعود من النمسا أنها ستعترف بحقوق روسيا في مضيق الدردنيل العثماني لكن على عكس روسيا لم تحافظ النمسا-المجر على التزاماتها في المفاوضات ولم يفعلوا شيئا لتشجيع حقوق روسيا في المضائق.[15] فيما بعد وقعت مملكة صربيا ومملكة بلغاريا بتأثير من روسيا اتفاقية عسكرية للدفاع المشترك ووقعت صربيا اتفاقا مماثلا مع مملكة الجبل الأسود فيما فعلت بلغاريا ذات الأمر مع اليونان، وكان الحلف موجها ضد النمسا-المجر.
وتوجت تلك التوترات السياسية يوم 28 يونيو 1914 عندما قيام ناشط صربي واسمه غافريلو برنسيب باغتيال ولي عهد العرش النمساوي الأرشيدوق فرانز فرديناند في سراييفو، الأمر الذي أشعل شرارة الحرب العالمية الأولى عندما غزت النمسا صربيا لتتدخل روسيا وباقي القوى الأوروبية. على الرغم من أن البوسنيين ماتوا في الحروب وهم يخدمون في جيوش الدول المتحاربة، إلا أن جمهورية البوسنة والهرسك نفسها استطاعت النأي بنفسها والنجاة من الصراع.[14]
جمهورية يوغوسلافيا الآولى (1918-1941)
مقالة مفصلة: تاريخ البوسنة والهرسك (1918–1941)
انضمت البوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب إلى مملكة صربيا وكرواتيا وسلوفنيا (سميت لاحقا بمملكة يوغسلافيا). حيث اتسمت الحياة السياسية في البوسنة في ذلك الوقت باتجاهين رئيسيين: اضطرابات اجتماعية واقتصادية خلال إعادة توزيع الثروة الاقتصادية، وتشكيل العديد من الأحزاب السياسية التي كثيرا ما تغير تحالفاتها مع الأطراف الأخرى في يوغوسلافيا.[14]
فالصراع الايديولوجي المهيمن على الدولة اليوغوسلافية، ما بين الإقليمية الكرواتية والمركزية الصربية، قد اقترب وبشكل مختلف من المجموعات العرقية الرئيسية في البوسنة وقد اعتمد على الجو السياسي العام. حتى وإن كان هناك أكثر من ثلاثة ملايين بوسني في يوغوسلافيا، حيث تجاوز عدد السلوفينيين وأبناء الجبل الأسود معا، لكن المملكة الجديدة منعت وجود قومية بوسنية بينها.
على الرغم من تقسيم البلد الأولي إلى 33 أوبلاست قد محا وجود الكيانات الجغرافية التقليدية من الخريطة، إلا أن جهود السياسيين البوسنيين مثل محمد سباهو للتأكد من أن المحافظات الست المقسمة للبوسنة والهرسك مساويا للسناجق الست من العهد العثماني، وبالتالي يطابق الحدود التقليدية للبلد ككل.
وبطريقة ما فإن تأسيس مملكة يوغوسلافيا سنة 1929، مكن من إعادة ترسيم المناطق الإدارية كمحافظات التي تجنبت عمدا جميع الحدود التاريخية والعرقية وإزالة أي أثر لكيان البوسنة. فاستمرت التوترات الصربية الكرواتية بشأن هيكلة الدولة اليوغوسلافية، مع الاعتبار أن فكرة انفصال قسم البوسنة تبقى ضئيلة أو لاأهمية لها. ثم أتت اتفاقية سفاتكوفيتش-ماجاك والتي أنشأ بموجبها إقليم كرواتيا المسمى (Banovina of Croatia) سنة 1939، والذي شجع على تقسيم البوسنة بين كرواتيا وصربيا.
ومع ذلك، فخارج الظروف السياسية القسرية تحولت أنظار السياسيين اليوغوسلاف إلى التهديد المتزايد الذي شكله أدولف هتلر ودولته ألمانيا النازية. وقد أتت فترة شهدت محاولات مهادنة، فتوقيع معاهدة الاتفاق الثلاثي وبعدها بيومين حصل الانقلاب في يوغوسلافيا، مما حدا بالألمان بغزوها يوم 6 أبريل 1941
الحرب العالمية الثانية (1941-45) في البوسنه والهرسك
مقالة مفصلة: تاريخ البوسنة والهرسك (1941–1945)

جسر سكة الحديد على نهر نيرتفا، وقد تهدم مرتين خلال معركة نيرتفا
ما إن غزا النازييون مملكة يوغوسلافيا خلال الحرب العالمية الثانية حتى ألحقت البوسنة إلى جمهورية كرواتيا المستقلة. فشرع قائد الكروات مع قواته بحملة إبادة للصرب واليهود والغجر، والشيوعيون، وأعداد كبيرة من أنصار تيتو وذلك بإنشاء معسكرات اعتقال. مما حدا بالصرب أن يحملوا السلاح وينضموا إلى ميليشيات الجتنيكس (Chetniks) وهي حركات مقاومة تضم الوطنيين وأتباع الملكية وقادت حرب عصابات ضد كل من الفاشيون والشيوعيون البارتسان (Partisans). على الرغم من بداية قتالهم كان ضد النازيين، لكن التعليمات إلى قائد الجتنيكس من الملك المنفي بمحاربة الشيوعيون، فمعظم الجتنيكس هم من الصرب والجبل الأسود، بالرغم من الجيش قد احتوى أيضا بعض السلوفينيون والمسلمين السلاف. في سنة 1941، أسس جوزيف بروز تيتو حركة مقاومة يوغسلافية شيوعية متعددة الأعراق، وهي البارتسان، وقد حاربت تلك الحركة كلا من قوات المحور والجتنيكس . وفي تاريخ 25 نوفمبر 1943 تكون المجلس الوطني المناهض للفاشية لتحرير يوغوسلافيا (AVNOJ) بزعامة تيتو، وعقد المؤتمر التأسيسي الأول في يايسه بوسط البوسنة والهرسك حيث كان بمثابة إعادة تأسيس جمهورية ضمن الاتحاد اليوغوسلافي بحدودها زمن الهابسبورغ . فنجاحاته العسكرية دفعت الحلفاء بدعم البارتسان، لكن جوزيف بروز تيتو رفض عرضهم واعتمد بدلاً من ذلك على قواته. فجميع الهجمات العسكرية الكبرى لحركة المناهضة للفاشية اليوغوسلافية ضد النازيين ومؤيديهم المحليين حصلت في البوسنة والهرسك وشعبها تحمل العبئ الأكبر من القتال . وفي النهاية وبعد انتهاء الحرب التي أسفرت عن إنشاء جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية، وانشأ الدستور رسميا سنة 1946 جاعلاً من البوسنة والهرسك واحدة من ست جمهوريات الأساسية للدولة الجديدة.
جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية (1945-1992)
مقالة مفصلة: تاريخ البوسنة والهرسك (1945–1992)
نظرًا لموقعها الجغرافي المركزي داخل الاتحاد اليوغوسلافي، تم اختيار البوسنة بعد الحرب كقاعدة لتطوير صناعة الدفاع العسكري. وقد ساهم ذلك في تركز كبير للأسلحة والأفراد العسكريين في البوسنة؛ عامل مهم في الحرب التي أعقبت تفكك يوغوسلافيا في التسعينيات. ومع ذلك ، كان وجود البوسنة داخل يوغوسلافيا ، في جزء كبير منه، دولة مسالمة ومزدهرة للغاية ، مع توظيف عالٍ ، واقتصاد قوي موجه نحو التصدير والتصدير ، ونظام تعليمي جيد والأمن الاجتماعي والطبي لكل مواطن في جنوب البوسنة والهرسك. عملت العديد من الشركات الدولية في البوسنة – فولكس فاجن (مصنع سيارات في سراييفو ، من عام 1972)، وكوكا كولا (من 1975)، السويد (من عام 1967) ، مارلبورو ، (مصنع تبغ في سراييفو) ، وفنادق هوليداي إن. كانت سراييفو هي موقع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 1984.[16]
خلال 1950 و1960 كانت البوسنة راكدة سياسية لجمهورية يوغوسلافيا. في سبعينات القرن الماضي ، نشأت نخبة سياسية بوسنية قوية ، مدفوعة جزئياً بقيادة تيتو في حركة عدم الانحياز والبوسنيين الذين خدموا في السلك الدبلوماسي اليوغوسلافي. أثناء العمل في النظام الاشتراكي ، قام سياسيون مثل ديمال بيديتش وبرانكو ميكوليتش وحميديا بوزدراك بتعزيز وحماية سيادة البوسنة والهرسك. أثبتت جهودهم أنها أساسية خلال الفترة المضطربة التي أعقبت وفاة تيتو في عام 1980 ، وتعتبر اليوم بعض الخطوات المبكرة نحو استقلال البوسنة. ومع ذلك ، لم تفلت الجمهورية من المناخ القومي المتزايد في ذلك الوقت. مع سقوط الشيوعية وبدء تفكك يوغسلافيا ، بدأت عقيدة التسامح تفقد قوتها ، مما خلق فرصة للعناصر القومية في المجتمع لنشر نفوذها.[بحاجة لمصدر]
حرب البوسنة والهرسك (1992-1995)
قادت انتخابات 1990 إلى تكوين مجلس برلماني يهيمن عليه ثلاثة أحزاب على أساس عرقي، وقد شكلت تحالفا فضفاضا لطرد الشيوعيين من السلطة. ثم أعلنت كلٌّ من كرواتيا واعقبتها سلوفينيا الاستقلال، فالحرب التي تلت ذلك وضعت البوسنة والهرسك والشعوب الثلاثة المكونة لها في موقف حرج. وقد كان هناك انقسام كبير سرعان ما تطور ووضع مسألة ما إذا كان البقاء ضمن الاتحاد اليوغوسلافي (ويؤيده الصرب بشكل ساحق) أو طلب الاستقلال (ويؤيده البوشناق والكروات بشكل ساحق). فأعضاء البرلمان الصرب، وخاصة من حزب الصربي الديمقراطي، تركوا البرلمان المركزي في سراييفو وشكلوا برلمانا أسموه المجلس الوطني لصرب البوسنة ولهرسك وذلك في 24 أكتوبر 1991، مما أنهى التعاون العرقي الثلاثي الذي حكم البلاد في أعقاب انتخابات 1990، وهذا المجلس انشأ جمهورية صرب البوسنة والهرسك يوم 9 يناير 1992، ثم غير الاسم إلى الجمهورية الصربية في أغسطس 1992. وفي 18 نوفمبر 1991 كان فرع البوسنة والهرسك للحزب الحاكم في كرواتيا المسمى الاتحاد الديمقراطي الكرواتي (HDZ) أعلن بإنشاء مايسمى بالمجتمع الكرواتي للبوسنة والهرسك وهو منفصل سياسيا وثقافيا واقتصاديا بكامل أراضيه عن إقليم البوسنة والهرسك وله جيش خاص به يسمى بمجلس الدفاع الكرواتي.[17] وهو مالم تعترف به الحكومة البوسنية. واعلنت المحكمة الدستورية البوسنية مرتين بأن تلك الجمهورية غير شرعية، بالمرة الأولى بتاريخ 14 سبتمبر 1992 والثانية في 20 يناير 1994.[18][19]
تم الإعلان عن سيادة البوسنة والهرسك في تشرين الأول عام 1991، ثم اعقبها استفتاء على الاستقلال عن يوغوسلافيا في فبراير ومارس 1992 وقد قاطعته الغالبية العظمى من الصرب. وكانت نسبة المشاركة في الاستفتاء على الاستقلال 63.4% وقد صوت لصالح الاستقلال 99.7% من الناخبين.[20] وتم إعلان استقلال البوسنة والهرسك بعدها بفترة قصيرة. وبعد فترة من التوتر وتصاعد حدته وقيام حوادث عسكرية متفرقة، اندلعت حرب مفتوحة في سراييفو في 6 أبريل.

شواهد قبور لضحايا مذبحة سربرنيتشا.
في أوائل مارس 1991 عقدت مباحثات سرية ما بين فرانيو تودجمان وسلوبودان ميلوسيفيتش لتقسيم البوسنة بين الصرب والكروات والمعروفة باسم اتفاق كارادورديفو. فبعيد إعلان استقلالجمهورية البوسنة والهرسك، هاجم الصرب مناطق عدة من البوسنة، مما أثّر على إدارة الدولة في تلك الجمهورية بشكل قوي فتوقف العمل فيها بعد أن فقدت السيطرة على أراضيها . وقد كان الصرب يسعون لاحتلال المناطق ذات الأغلبية الصربية شرق وغرب البوسنة، بينما سعى الكروات بزعامة تودجمان إلى مايسمى بتأمين أجزاء من البوسنة والهرسك كمناطق كرواتية. فسياسات كرواتيا تجاه البوسنة والهرسك لم تكن واضحة وشفافة، فقد سعت إلى تطبيق هدف تودجمان المتمثل في توسيع حدود كرواتيا على حساب البوسنة . فأضحى المسلمون البوشناق هدفا سهلا، وهم المجموعة العرقية الوحيدة الموالية للحكومة البوسنية، وذلك لأن قوات الحكومة البوسنية كانت سيئة التجهيز وغير مهيئة للحرب.[21]
بعد الاعتراف الدولي بالبوسنة والهرسك ازدادت الضغوط الدبلوماسية لسحب الجيش الشعبي اليوغسلافي من مناطق البوسنة، وهو ما تم فعله بشكل رسمي، لكن بالواقع فإن أعضاء الجيش من الصرب البوسنيون غيّروا شاراتهم العسكرية، وشكلوا مايسمى جيش جمهورية صرب البوسنة واستمروا في الحرب، مستحوذين على مخزونات الجيش اليوغسلافي الموجودة في الأراضي البوسنية، وتلقّوا الدعم من المتطوعين وقوات شبه عسكرية من صربيا، واستمر الدعم اللوجستي والمالي من جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، وقد كان نية جيش صرب البوسنة في هجومهم سنة 1992 هو الاستحواذ والسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.
في البداية هاجمت القوات الصربية التجمعات المدنية لغير الصرب في شرق البوسنة . فما أن وقعت تلك القرى والبلدات في أيديهم، حتى بدأت تلك القوات مع الشرطة والمليشيات شبه العسكرية وأحيانا بمساعدة أهالي القرى الصرب في تنفيذ خطة محددة: نهب وإحراق منازل وممتلكات البوشناق بصورة منهجية، وتجميع المدنيين من مسلمي البوسنة أو القبض عليهم، وقد يتعرضون للضرب المبرح أو قتل جراء تلك العمليات. وقد تم تهجير ما يقارب 2.2 مليون بوسني عن أراضيهم (من الطوائف الثلاث).[22] فاحتُجِز الكثير من الرجال في مخيمات . أما النساء فكان يُحتَفظ بهن في مراكز اعتقال متعددة حيث يعشن في ظروف قاسية وغير صحية، ويتعرضن لأسوأ المعاملات بما فيها الاعتداءات الجنسية المتكررة . فقد يأتي الجنود الصرب أو رجال الشرطة إلى مراكز الاعتقال تلك، فينتقون من النساء ما يشاءون لقضاء وطرهم واغتصابهن.[23]
ثم بعد ذلك اتجهت الأنظار صوب نوفي ترافنيك وغورني فاكوف سنة 1992 حيث محاولات مجلس الدفاع الكرواتي لزيادة قوته. وفي 18 يونيو 92 استلم الدفاع البوسني لمنطقة نوفي ترافنيك إنذار نهائي من الكروات والذي تضمن قائمة مطالب لإلغاء مؤسسات البوسنة والهرسك الموجودة بها، وبسط سلطة الكروات في البوسنة والهرسك والتعهد بالولاء لها، وإخضاع الدفاع عن تلك المنطقة لمجلس الدفاع الكرواتي وطرد اللاجئين المسلمين، كل ذلك يكون خلال 24 ساعة . فبدأ الهجوم يوم 19 يونيو، فتعرضت مدرسة ابتدائية ومكتب بريد للهجوم والتدمير.[24] أما غورني فاكوف فتعرضت للهجوم يوم 20 يونيو 92، ولكن الهجوم تم إحباطه. أدى اتفاق غراتس إلى التسبب بالانقسام العميق داخل المجتمع الكرواتي وعززت المجموعة الانفصالية التي قادت الصراع مع البوشناق . وقد قُتل أحد الزعماء الكروات المؤيدين للإتحاد وهو بلاز كراليوفيتش (أحد زعماء مجموعات قوة الدفاع الكرواتية) على يد جنود مجلس الدفاع الكرواتي في أغسطس 92، مما زاد من الضعف الشديد في فريق المعتدلين الذين يأملون في الحفاظ على التحالف الكرواتي البوسني حيا.[25] فازداد الوضع خطورة في أكتوبر 1992 عندما هاجمت قوة كرواتية تجمعا للبوشناق في بروزور . وحسب لوائح الإتهام ضد أحد زعماء الكروات وهو جادرانكو بريليتش، فإن مجلس الدفاع الكرواتي قد قام بعملية تطهير عرقي للمسلمين من قرية بروزور والقرى المحيطة بها.[17] وفي نفس الوقت فإن الكروات في بلدات كونياك وبوجونيا قد تم ترحليهم قسريا من منازلهم . وفي ذلك فقد انتهى التحالف الكرواتي البوشناقي وتم ترحيل الأقليات من مناطق الأغلبية العرقية الأخرى.
عند اندلاع النزاع المسلح بين الحكومة التي يغلب عليها البوسنيون في سراييفو وجمهورية كروات البوسنة ، كان حوالي 70% من أراضي البوسنة تحت سيطرة جمهورية صرب البوسنة . فالانتهاكات التي ترتكب ضد السكان من غير الصرب من تطهير عرقي وضياع الحقوق المدنية كانت متفشية في تلك المناطق . واستخدمت فرق البحث عن الحمض النووي لجمع أدلة عن الفظائع التي ارتكبتها القوات الصربية خلال هذه الحملات.[26] أحد أبرز الأمثلة على مذبحة سربرنيتشا، سيطرت الإبادة الجماعية على جلسات المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. فقد قُتِل حوالي 200,000 بوسني مسلم بواسطة السلطات الصربية السياسية.[27] في مارس 1994 تم التوقيع على اتفاقات واشنطن بين قادة الحكومة الجمهورية البوسنة والهرسك وأدى إلى إنشاء اتحاد البوسنة والهرسك المشتركة بين مسلمي البوشناق والكروات، التي استردّت أراضي جمهورية كروات البوسنة من قبل جيش جمهورية البوسنة والهرسك. هذا الاتحاد حرر بعد ذلك مقاطعة غرب البوسنة ذاتية الحكم الصغيرة.
بعد حدوث مذبحة سربرنيتشا بدأت الحملة الجوية للناتو ضد جيش جمهورية صرب البوسنة في أغسطس 1995، ورافقها هجوم بري للقوات المتحالفة من الكروات والبوسنيين التي أُنشئت بعد معاهدة منفردة ما بين تودجمان وبيغوفيتش لطرد القوات الصربية من المناطق التي تم أخذها في غرب البوسنة والتي مهّدت السبيل إلى المفاوضات .
وفي ديسمبر تم التوقيع على اتفاقية دايتون في مدينة دايتون بين رؤساء كل من البوسنة والهرسك علي عزت بيغوفيتش والكرواتي فرانيو تودجمان والصربي سلوبودان ميلوسيفيتش لوقف الحرب والبدء بإنشاء الهيكل الأساسي للدولة الحالية. رقم الضحايا المتعرف عليهم يصل حاليا إلى 97,207، والفحوصات الحالية لتقدير العدد الإجمالي للقتلى يقل عن 110,000 قتيل ما بين مدني وعسكري[28][29][30]، وتم تهجير حوالي 1.8 شخص عن مناطقهم . وقد تم إعلان هذا من قبل اللجنة الدولية لشؤون المفقودين. وفقا للأحكام العديدة التي أصدرتها محكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في النزاع الحاصل بين البوسنة وجمهورية يوغوسلافيا الإتحادية (والمسماة لاحقا بصربيا والجبل الأسود)[31] وأيضا كرواتيا.[32]
اتهمت الحكومة البوسنية صربيا في محكمة العدل الدولية باشتراكها في جريمة الإبادة الجماعية للبوسنة خلال الحرب. فقرار محكمة العدل الدولية جاء على نحو فعال بتحديد بأن طبيعة الحرب هي دولية، بالرغم من تبرئة صربيا من المسؤولية المباشرة عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات الصربية في جمهورية صرب البوسنة. إلا أن المحكمة خلصت بأن صربيا فشلت في منع الإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات الصربية وفشلت في معاقبة أولئك الذين نفذوا الإبادة الجماعية، وخاصة القائد راتكو ملاديتش ومن ثم تقديمهم إلى العدالة.[33]
وقررت المحكمة بأن معايير الإبادة الجماعية مع النية المبيتة لقتل المسلمين البوسنيين قد وجدت فقط في سربرنيتشا أو في شرق البوسنة سنة 1995.[34] وخلصت المحكمة بأن الجرائم التي اقترفت خلال حرب 1992-1995 قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية حسب القانون الدولي، ولكن تلك الأفعال بذاتها لم تكن إبادة جماعية.[35]
وكذلك قررت المحكمة بعد إعلان الجبل الأسود الاستقلال في مايو 2006 بأن صربيا أضحت الطرف الوحيد من المدعى عليها في هذه القضية، ولكن “أية مسؤولية عن أحداث ماضية لها علاقة في ذلك الوقت ستتحملها الدولة المكونة من صربيا والجبل الأسود”
القتلى في البوسنه والهرسك
اجمالي 97,214 |
بوشناق | 64,341 | 66.2% |
صرب | 24,726 | 25.4% | |
كروات | 7,602 | 7.8% | |
آخرون | 547 | 0.5% | |
اجمالي المدنيين 39,685 |
بوشناق | 33,071 | 83.3% |
صرب | 4,075 | 10.2% | |
كروات | 2,163 | 5.4% | |
آخرون | 376 | 0.9% | |
إجمالي الجنود 57,529 |
بوشناق | 31,270 | 54.4% |
صرب | 20,649 | 35.9% | |
كروات | 5,439 | 9.5% | |
آخرون | 171 | 0.3% |
في يونيو 2007 ، نشر مركز البحوث والتوثيق في سراييفو بحثًا موسعًا حول وفيات الحرب البوسنية ، يُطلق عليه أيضًا “كتاب الموتى البوسنيين” وهي قاعدة بيانات كشفت في البداية عن 97207 اسمًا على الأقل من مواطني البوسنة والهرسك أكدوا أنهم قتلوا أو فقدوا خلال حرب 1992-1995. ووصف رئيس الوحدة الديمغرافية لمحكمة جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة ، إيوا تابو ، بأنها “أكبر قاعدة بيانات موجودة حول ضحايا الحرب البوسنيين” وتعتبر أكبر حساب موثوق للخسائر البشرية في الحرب البوسنية. تم جمع أكثر من 240 ألف قطعة من البيانات وفحصها ومقارنتها وتقييمها من قبل فريق دولي من الخبراء من أجل إنتاج قائمة 2007 بأسماء 97,207 من الضحايا.
وذكرت أرقام المركز الإقليمي لعام 2007 أن هذه أرقام مؤكدة وأن عدة آلاف من الحالات لا تزال قيد الدراسة. يُعتقد أن جميع أرقام الطابق الأرضي حساب أقل قليلاً حيث تعتمد منهجيتها على أن أحد أفراد الأسرة قد نجا لإبلاغ قريبه المفقود ، على الرغم من أنه لا يُعتقد أن هذا العدد أقل أهمية إحصائيًا. وأكدت 30 في المائة على الأقل من الضحايا المدنيين البوسنيين المؤكدين عام 2007 أنهم من النساء والأطفال.
نشر مركز الأبحاث والتطوير تحديثات دورية لأرقامه حتى يونيو 2012 ، عندما نشر تقريره النهائي. سجلت أرقام عام 2012 ما مجموعه 101,040 قتيلًا أو مختفيًا ، منهم 61.4 في المائة من البوشناق، و24.7 في المائة من الصرب، و8.3 في المائة من الكروات ، وأقل من 1 في المائة من الأعراق الأخرى ، مع 5 في المائة أخرى من أصلهم العرقي.
بلغ عدد الوفيات بين المدنيين 38239 ، والتي تمثل 37.9 في المائة من إجمالي الوفيات. وشكل البوسنيون 81.3 في المائة من القتلى المدنيين ، مقارنة بالصرب 10.9 في المائة والكروات 6.5 في المائة. علاوة على ذلك ، فإن نسبة الضحايا المدنيين هي الحد الأدنى المطلق لأن وضع 5100 ضحية لم يتم إثباته ولأن الأقارب قد سجلوا أحبائهم القتلى كضحايا عسكريين من أجل الحصول على إعانات مالية من المحاربين القدامى أو لأسباب “الشرف”.
طبقت كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية والوحدة الديمغرافية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة تقنيات إحصائية لتحديد الازدواجية المحتملة الناجمة عن تسجيل ضحية معينة في قوائم أولية متعددة ، ثم يتم فحص الوثائق الأصلية يدويًا لتقييم الازدواجية.
توجد حوالي 30 فئة من المعلومات في قاعدة البيانات لكل سجل فردي ، بما في ذلك المعلومات الشخصية الأساسية ومكان وتاريخ الوفاة ، وفي حالة الجنود ، الوحدة العسكرية التي ينتمي إليها الفرد. وقد سمح هذا لقاعدة البيانات بتقديم حالات الوفاة حسب الجنس ، والوحدة العسكرية ، وسنة الموت والمنطقة ، بالإضافة إلى العرق و “الوضع في الحرب” (مدني أو جندي). الفئة المقصودة لوصف التشكيل العسكري الذي تسبب في وفاة كل ضحية كانت الأكثر اكتمالاً واعتبرت غير صالحة للاستعمال.
الاحتجاجات 2014 في البوسنه والهرسك
في 4 فبراير 2014، بدأت الاحتجاجات ضد حكومة اتحاد البوسنة والهرسك، وهي إحدى الكيانين في البلد، التي أطلق عليها اسم الربيع البوسني، وهو الاسم الذي أُخذ من الربيع العربي، في بلدة توزلا الشمالية. وقد تم إضفاء الطابع الشخصي على العمال من عدة مصانع تم خصخصتها وأصبحوا الآن مفلسين متحدين للمطالبة باتخاذ إجراءات بشأن الوظائف والرواتب والمعاشات غير المدفوعة.[38] وانتشرت الاحتجاجات قريبا إلى بقية الاتحاد، وأبلغ عن وقوع اشتباكات عنيفة في حوالي 20 بلدة، كان أكبرها سراييفو وزينيتشا وموستار وبيهاتش وبريكو وتوزلا.[39] وذكرت وسائل الاعلام البوسنية أن مئات الأشخاص أُصيبوا بجروح خلال الاحتجاجات ، من بينهم عشرات من ضباط الشرطة الذين تعرضوا لأعمال عنف في سراييفو وفي مدينة توزلا الشمالية في موستار في الجنوب وفي زينيتشا بوسط البوسنة . نفس المستوى من الاضطرابات أو النشاط لم يحدث في جمهورية صربسكا، ولكن مئات من الناس تجمعوا أيضا لدعم الاحتجاجات في بلدة بانيا لوكا ضد حكومتها المنفصلة.[40][41][42]
كانت الاحتجاجات أكبر انتشار غضب عام على البطالة العالية وعقدين من الجمود السياسي في البلاد منذ نهاية الحرب البوسنية في عام 1995