الكواكب السماوية
عرَّف الاتحاد الفلكي الدولي الكَوكَب بأنه جرم سماوي يدور في مدارٍ حول نجم أو بقايا نجم في السماء وهو كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديراً تقريبياً بفعل قوة جاذبيته، ولكنه ليس ضخماً بما يكفي لدرجة حدوث اندماج نووي حراري ويستطيع أن يخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات.[a][1][2] إن كلمة “كوكب” قديمة وترتبط بعدة جوانب تاريخية وعلمية وخرافية ودينية، فالعديد من الحضارات القديمة كانت تعتبر الكواكب رموزاً مقدسة أو رسلاً إلهية، وما زال البعض في عصرنا الحالي يؤمن بعلم التنجيم الذي يقوم على أساس تأثير حركة الكواكب على حياة البشر، على الرغم من الاعتراضات العلمية على نتائج هذا العلم، ولكن أفكار الناس عن الكواكب تغيرت كلياً مع التطور الفكري العلمي في العصر الحديث وانضمام عدد من الدوافع المختلفة، وإلى الآن لا يوجد تعريف موحد لمعنى الكوكب، ففي عام 2006، صدق الاتحاد الفلكي الدولي على قرار رسمي بتعريف معنى الكواكب في المجموعة الشمسية، وقد لاقى هذا التعريف ترحيباً واسعاً ونقداً لاذعاً في الوقت نفسه، وما زال هذا التعريف مثارا للجدل بين بعض العلماء.
كان بطليموس يظن بأن كوكب الأرض هو مركز الكون وأن كل الكواكب تدور حوله في فلك دائري. على الرغم من طرح فكرة مركزية الشمس مرات عديدة، فإنها لم تثبت بالدليل العلمي إلا في القرن السابع عشر عندما تمكن العالم الإيطالي جاليليو جاليلي من رصد المجموعة الشمسية عبر التلسكوب الفلكي الذي اخترعه. وقد أثبت العالم الألماني يوهانس كيبلر بعد تحليلات دقيقة لبيانات الرصد الفلكي أن مدارات الكواكب بيضاوية وليست دائرية. ومع تطور أجهزة الرصد، اكتشف علماء الفلك أن جميع الكواكب، ومن ضمنها كوكب الأرض، تدور حول محاورها ولكن بميل طفيف، ويتميز بعضها بخواص مشتركة، مثل تكوُّن الجليد على أقطابها ومرورها بعدة فصول في السنة الواحدة. ومع بدء عصر الفضاء، اكتشف الإنسان، بعد فحص عينات التربة من الكواكب عبر أجهزة المسبار الفضائي، عدة خواص مشتركة بين كوكب الأرض والكواكب الأخرى، مثل الطبيعة البركانية ووجود الأعاصير والتكتونيات (عملية التشويه التي تغير شكل قشرة الأرض محدثةً القارات والجبال) وحتى الهيدرولوجيا. ومنذ عام 1992، وبعد اكتشاف مئات الكواكب خارج المجموعة الشمسية (أي أنها تدور حول نجوم أخرى)، أدرك العلماء أن جميع الكواكب الموجودة في مجرة درب التبانة تشترك في خواص عديدة مع كوكب الأرض. تنقسم الكواكب بصفة عامة إلى نوعين رئيسيين: الكواكب الكبرى، وهي كواكب عملاقة مكونة من غازات منخفضة الكثافة، وكواكب أصغر ذات طبيعة صخرية، مثل كوكب الأرض. ووفقا لتعريفات الاتحاد الفلكي الدولي، تتكون المجموعة الشمسية من ثمانية كواكب. وترتيب هذه الكواكب حسب بعدها عن الشمس يبدأ بالكواكب الأربعة الصخرية عطارد والزهرة والأرض والمريخ، ثم الكواكب الغازية العملاقة المشتري وزحل وأورانوس ونبتون. كما تحتوي المجموعة الشمسية على خمسة كواكب قزمة هي: سيريس وبلوتو(الذي كان مصنفا سابقا كتاسع كوكب في المجموعة الشمسية) وميكميك وهاوميا وإيريس. ويدور حول كل من تلك الكواكب قمر واحد أو أكثر باستثناء عطارد والزهرة وسيريس وميكميك.[3]
وبحلول مارس 2009 بلغ عدد الكواكب المكتشفة خارج المجموعة الشمسية 344 كوكبًا وتختلف في حجمها وطبعتها من الكواكب الغازية العملاقة إلى الكواكب الصغيرة ذات الطبيعة الصخرية. الكواكب عندما نراها ليلا تظهر انها تبعث النور بل تعكس نور الشمس وتظهر انها مضيئة.[2]
تم اكتشاف عدة آلاف من الكواكب حول النجوم الأخرى (“الكواكب خارج المجموعة الشمسية” أو “الكواكب الخارجية“) في درب التبانة.[4]
في 20 ديسمبر 2011، أبلغ فريق تلسكوب كبلر الفضائي عن اكتشاف أول كواكب خارج المجموعة الشمسية بحجم الأرض، كيبلر 20 إي وكيبلر 20 إف، تدور حول نجم يشبه الشمس، كيبلر 20.[5] تشير دراسة أجريت عام 2012 إلى تحليل بيانات الاستدلال الميكروي للجاذبية، بمتوسط لا يقل عن 1.6 كواكب مرتبطة بنجم في درب التبانة. يعتقد أن حوالي واحد من كل خمسة نجوم تشبه الشمس لديها كوكب بحجم الأرض في منطقته صالحة للحياة.[6]
اعتبارًا من 1 يونيو 2019، تم اكتشاف 4,071 كواكب خارج المجموعة الشمسية في 3,043 نظام كوكبي (بما في ذلك 659 نظام كوكبي متعدد)، يتراوح حجمها من حجم القمر إلى عملاق غازي بحوالي ضعف حجم كوكب المشتري، اكتشف منها أكثر من 100 كوكب لها نفس حجم الأرض، تسعة منها على نفس المسافة النسبية عن نجمها مثل الأرض من الشمس، أي في المنطقة الصالحة للسكن.[7]
الخلفية التاريخية

شكل مطبوع لنموذج قديم يشير إلى أن الأرض هي مركز الكون من أنتويرب 1539
تطورت فكرة الكواكب من قديم الأزل؛ حيث كانت تعد في الماضي نجوماً سيّارة مقدسة حتى أصبحنا نمتلك الآن صورة علمية مفصلة عنها. وقد اتسع مفهومها حاليا لتشمل مئات الكواكب خارج المجموعة الشمسية. وقد أسهم غموض التعريف الخاص بالكواكب في زيادة الجدل والنقاش العلمي حول الموضوع.
عُرفت الكواكب الكلاسيكية الخمسة، التي كانت مرئية للعين المجردة، منذ العصور القديمة وكان لها تأثير كبير على الأساطير وعلم الكونيات الديني وعلم الفلك القديم. في العصور القديمة لاحظ علماء الفلك كيف تحركت بعض الأضواء عبر السماء، غير “النجوم الثابتة”، والتي حافظت على وضع نسبي ثابت في السماء. في العصور القديمة، لاحظ علماء الفلك كيف أن أضواءً معينة تسري في السماء في اتجاه نجوم بعينها. وقد أطلق قدماء الإغريق على تلك الأضواء (planetes) (بمعنى النجوم السيّارة) ومنه اشتقت كلمة “كواكب” الحالية.[8][9]وكان هذا الاعتقاد سائدًا لأن النجوم والكواكب كانت تبدو لسكان كوكب الأرض كما لو كانت تحوم يوميا حول الأرض، وكان المفهوم الفطري هو أن كوكب الأرض ثابت ومستقر وغير متحرك.[10]
الحضارة البابلية عن الكواكب السماوية
إن الحضارة البابلية هي أول حضارة معروفة تمكنت من التوصل لنظرية عملية عن الكواكب. وقد عاش البابليون في بلاد ما بين النهرين (العراق حاليا) في الألفيتين الأولى والثانية قبل الميلاد. ويُعد “لوح أمِّسادوكا البابلي لكوكب الزهرة” أقدم نص فلكي باق عن الكواكب وهو نسخة اكتشفت في القرن السابع قبل الميلاد وهي عبارة عن قائمة ببعض الملاحظات الخاصة بحركة كوكب الزهرة ربما يعود تاريخها إلى بداية الألفية الثانية قبل الميلاد. ويعتبر البابليون هم المؤسسون الحقيقيون لعلم التنجيم الغربي.[11] وهناك نص يسمى إنوما أنو إنليل كُتب خلال عصر الآشوريين الجدد في القرن السابع قبل الميلاد،[12] وهذا النص يحتوي على بعض التعاويذ المتعلقة ببعض الظواهر السماوية ومن ضمنها حركة الكواكب.[13] أما السومريون، وهم خلفاء البابليون ويعتبرون من ضمن الحضارات الرائدة ويعود إليهم الفضل في اختراع الكتابة، فقد عرفوا كوكب الزهرة على الأقل في عام 1500 ق.م والكواكب الخارجية المريخ والمشتري وزحل من قبل علماء الفلك البابلي. ستبقى هذه الكواكب الوحيدة المعروفة حتى اختراع التلسكوب في العصور الحديثة المبكرة.[14]
الحضارة الإغريقية القديمة وحتى العصور الوسطى
النظام الحديث | القمر | عطارد | الزهرة | الشمس | المريخ | المشترى | زحل |
[15] | ☾ LVNA | ☿ MERCVRIVS | ♀ VENVS | ☉ SOL | ♂ MARS | ♄ IVPITER | ♃ SATVRNVS |
اشتُق النظام الكوني الإغريقي القديم من الحضارة البابلية، حيث الإغريق القدماء في اكتساب العلوم الفلكية من البابليين في حوالي العام 600 ق.م. مثل علوم الكواكب والأبراج.[16] وبحلول القرن السادس قبل الميلاد كان البابليون قد حققوا تقدمًا في العلوم الفلكية يفوق ما حققه الإغريق. والدليل على ذلك هو أن أقدم المصادر الإغريقية، مثل الإلياذة والأوديسة لم يرد بها أي ذكر للكواكب. بحلول القرن الأول قبل الميلاد، بدأ الإغريق في تطوير نظرياتهم الرياضية لتحديد مواقع الكواكب. إن هذه النظريات التي اعتمدت على الهندسة البابلية وليس علم الحساب ستتفوق في النهاية على نظيراتها البابلية من ناحية التعقيد والشمول، كما يُعتَمَدُ عليها في معظم الحركات الفضائية التي تتم ملاحظتها بالعين المجردة من على سطح الأرض. وقد بلغت تلك النظريات صورتها المثالية في كتاب بطليموس: المجسطي الذي ألَّفه في القرن الثاني الميلادي. وقد اعتبر هذا النموذج الذي ألفه بطليموس هو المرجع الأساسي في العالم الغربي والذي تفوق على ما عداه من مؤلفات في علم الفلك، وظل على هذه المكانة طيلة 13 قرنًا.
قام شيشرون في كتابه دي ناتورا ديوروم، بتعداد الكواكب المعروفة خلال القرن الأول قبل الميلاد باستخدام أسماء لها المستخدمة في ذلك الوقت. “ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة في حركات النجوم الخمسة، لأنه لا يوجد شيء يتجول في كل الأبدية التي تحافظ على مساراتها الأمامية والخلفية، وحركاتها الأخرى، ثابتة وغير متغيرة. على سبيل المثال، النجم الذي هو أبعد ما يكون عن الأرض، والمعروف باسم نجم زحل، والذي يطلق عليه اليونانيون Φαέθων (فاينون)، ينجز مساره في حوالي ثلاثين عامًا، وعلى الرغم من أنه في هذا المسار، فإنه يفعل الكثير مما هو عليه، حيث يصبح غير مرئي في ساعة من المساء، ويكون موجود في الصباح، لن يحدث أي تغيير على الإطلاق خلال العصور الزمنية التي لا تنتهي، ولكنها تؤدي نفس الحركات في نفس الأوقات، وعلى مقربة من الأرض، يتحرك كوكب المشتري، حيث يكمل نفس الدورة من اثني عشر علامة في اثني عشر عاماً، ويؤدي في نفس مساره نفس الاختلافات في كوكب زحل. أقل النجوم الخمسة تجولاً، والأقرب إلى الأرض، هو كوكب الزهرة، والذي يسمى Φωσϕόρος (فوسفوروس) في اليونانية، ولوسيفر باللاتينية. كان الإغريق والرومان يعرفون سبعة كواكب وكانوا يعتقدون أن تلك الكواكب تدور حول الأرض وفقًا لقوانين بطليموس. وكان ترتيبهم، وفقًا لقوانين بطليموس، بدءًا من الأرض كالآتي: القمر ثم عطارد ثم الزهرة ثم الشمس ثم المريخ ثم المشترى ثم زحل.[17][18][19]
الحضارة العربية عن الكواكب السماوية
عند العرب الكواكب السيارة هو الاسم القديم للكواكب التي تُرَى من الأرض متجولة بين النجوم. وقد سُميت “سيارة” لأن العرب القدماء كانوا يُسمون كل النقاط اللامعة في السماء بـ”الكواكب”. ولكن لاحظوا أن بعضها يتحرك باستمرار عبر السماء غير حركة دوران القبة السماوية الناتجة عن دوران الأرض حول نفسها. ولذلك فقد سموا المتحركة منها بـ”الكواكب السيارة” (والتي تُسمى اليوم “الكواكب”) والثابتة بـ”الكواكب الثابتة” (والتي تسمى اليوم “النجوم”). العرب لم يَعتبروها آلهة كالإغريق بالرغم من أنهم عظّموها، فالمشتري أخذ اسمه لأنه اشترى العظمة لنفسه. وقد كان للمشتري والزهرة أهمية خاصة عندهم للمعانهما الشديد.[20]
الحضارة الهندية عن الكواكب السماوية
في عام 499م قدم عالم الفلك الهندي أريابهاتا نموذجاً كوكبياً أدمج صراحة دوران الأرض حول محورها، كما يعتقد أن مدارات الكواكب اهليلجيه. كان أتباع أريابهاتا قويين بشكل خاص في جنوب الهند، حيث تم اتباع مبادئه الخاصة بالتناوب النهاري للأرض، من بين أمور أخرى، واستند عدد من الأعمال الثانوية عليها.[21]
في عام 1500، قام نيلاكانثا سوماياجي من كلية كيرلا للفلك والرياضيات، في كتابه تانترا سانجراها، بمراجعة نموذج أريابهاتا. قام بتطوير نموذج كوكبي حيث يدور عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل في مدار حول الشمس، والذي بدوره يدور حول الأرض، على غرار نظام تيخونيك الذي اقترحه العالم الفلكي تيخو براهي.[22] لاحقًا في أواخر القرن السادس عشر. معظم علماء الفلك من مدرسة ولاية كيرلا الذين تبعوه قبلوا نموذجه الكوكبي.[23]
الحضارة الإسلامية
في القرن الحادي عشر، تم رصد عبور كوكب الزهرة من قِبل ابن سيناء، الذي أثبت أن كوكب الزهرة كان على الأقل في بعض الأحيان تحت الشمس. في القرن الثاني عشر لاحظ ابن باجة “كواكب كالبقع السوداء على وجه الشمس” والتي تم تحديدها لاحقا على أنها عبور لعطارد والزهرة من قبل الطبيب وعالم الفلك قطب الدين الشيرازي في القرن الثالث عشر.[24]
عصر النهضة الأوروبية
عطارد | الزهرة | الأرض | المريخ | المشتري | زحل |
ربما كانت الستة كواكب التي تُرى بالعين المجردة معروفة منذ قديم الأزل، وقد كان لتلك الكواكب آثارٌ بالغة على الأساطير والعلوم الكونية الدينية وعلم الفلك القديم. ومع تطور المعرفة العلمية، تغير مفهوم كلمة “كوكب” من مجرد جسم يهيم في السماء (حول نجم معين) إلى جسم يدور حول الأرض (أو هكذا كان يُعتقد قديمًا)، إلى أن اكتشفنا في القرن السادس عشر أن الكواكب تدور حول الشمس، وذلك بفضل تصديق النموذج الشمسي المركزي لـ “كوبرنيكوس” و”غاليليو” و”كيبلر”.[25] عندما تم اكتشاف الأقمار التابعة لكوكبي المشترى وزحل في القرن السابع عشر، كانت تستخدم كلمة “كوكب” و”قمر” بالتبادل، على الرغم من أن كلمة “قمر” أصبحت هي المنتشرة في القرن الثامن عشر.[26] وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، ارتفع عدد الكواكب المكتشفة للغاية حيث كان يطلق المجتمع العلمي على أي جسم يدور بشكل مباشر حول الشمس اسم “كوكب”.
القرن التاسع عشر
عطارد | الزهرة | الأرض | المريخ | فيستا | جونو | سيريز | بالاس | المشتري | زحل | أورانوس |
في القرن التاسع عشر، أدرك العلماء أن الأجسام المكتشفة مؤخرًا والتي صنفت على أنها كواكب لمدة نصف قرن (مثل، سيريز وبالاسوفيستا) تختلف تمامًا عن الكواكب التقليدية. إن هذه الأجسام تسبح في المنطقة الفضائية نفسها بين كوكب المريخ والمشترى (حزام الكويكبات)، ولكن كتلتها أصغر بكثير من الكواكب، ولذلك فقد صنفت على أنها كويكبات.[27] وفي ظل غياب أي تعريف رسمي لكلمة “كوكب”، جرى العرف على أن الكوكب هو أي جسم بالغ الضخامة وله مدار حول الشمس. نظرًا للفرق الهائل في الحجم بين الكويكبات والكواكب وبعد خمود جذوة الحماس بعد اكتشاف الكوكب “نبتون” في عام 1846، فإنه لم تكن هناك حاجة ماسة لوضع تعريف رسمي.[28]
القرن العشرون
عطارد | الزهرة | الأرض | المريخ | المشتري | زحل | أورانوس | نبتون |
تم اكتشاف كوكب بلوتو في القرن العشرين. وقد أظهر الرصد الأوَّلي لكوكب بلوتو أنه أكبر من الأرض،[29] مما جعله يُصنَّف كتاسع الكواكب في المجموعة الشمسية. إلى أن اكتشف بعد ذلك أنه أصغر حجمًا من الأرض بكثير، في عام 1936 رجح “رايموند ليتلتون” أن بلوتو يمكن أن يكون قمرًا شاردًا عن كوكب نبتون،[30] بينما رجح “فريد ويبل” عام 1964 أن بلوتو ربما يكون مذنبا.[31] ومع ذلك، فإنه نظرًا لكون بلوتو ما زال أكبر حجمًا من كل الكويكبات المعروفة كما أنه يسبح بمفرده في الفضاء،[32] فقد ظل محتفظًا بصفته ككوكب حتى عام 2006. تميزت فترة التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة باكتشاف فيض هائل من الأجرام السماوية التي تشبه المجموعة الشمسية سُميت بـ(حزام كوبير).[33] ومثله مثل سيريز والعديد من الكويكبات التي اكتشفت قبله، فقد اكتشف أن بلوتو ما هو إلا جسم صغير يسبح في الفضاء بين آلاف الأجسام الأخرى. وقد أيد كثير من علماء الفلك استبعاد بلوتو من قائمة الكواكب، وخاصةً بعد اكتشاف العديد من الأجرام المماثلة له في الحجم. وقد أدى اكتشاف ما يُعرف بأنه الكوكب العاشر المسمى “إيريس” والكبير جدًا في الحجم إلى إعادة موضوع تعريف الكواكب إلى الأذهان ثانية. وقد أصدر الاتحاد الفلكي الدولي تعريفًا لمصطلح “كوكب” في عام 2006.[34] وقد تقلص عدد الكواكب إلى أكبر ثمانية كواكب من حيث الحجم والتي استطاعت أن تخلي مدارها من الكويكبات (عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشترى وزحل وأورانوس ونبتون)، وتم إضافة قائمة أخرى تضم الكواكب القزمة (سيريز وبلوتو وإيريس).[35]
الكواكب في الفترة ما بين 1930–2006 | ||||||||
عطارد | الزهرة | الأرض | المريخ | المشتري | زحل | أورانوس | نبتون | بلوتو |
في عام 1992، أعلن العالمان “ألكساندر فولفسكان” و”ديل فرايل” اكتشاف نظم كوكبية حول النجم الطارق (نجم مشع) PSR B1257+12.[36] ويُعد هذا أول اكتشاف فعلي لمجموعة كواكب تدور حول أحد النجوم. وفي السادس من أكتوبر عام 1995، أعلن “ميتشيل مايور” و”ديديه كويلوز” من جامعة جنيف عن أول اكتشاف فعلي لكوكب خارج المجموعة الشمسية يدور حول نجم عادي في التسلسل الرئيسي وهذا النجم يُسمى الفرس الأعظم 51 بي. أدى اكتشاف كواكب أخرى خارج المجموعة الشمسية إلى إضفاء مزيد من الغموض على تعريف مصطلح كوكب أو بمعنى أدق متى يصبح الكوكب نجمًا.[37] فالعديد من الكواكب المعروفة التي تقع خارج المجموعة الشمسية تعد أكبر من حجم كوكب المشترى بعدة مرات، حيث أنها تقارب حجم الأجرام السماوية المعروفة بـ “الأقزام البنية”.[38] فتلك الأقزام البنية تعد نجومًا بصفة عامة نظرًا لقدرتها على دمج الهيدروجين الثقيل (الديوتريوم). وفي حين أن النجوم التي يبلغ حجمها 75 مرة قدر حجم المشترى لها القدرة على دمج الهيدروجين، فإن النجوم التي يعادل حجمها حجم المشترى بـ 13 مرة فقط لها القدرة على دمج الهيدروجين الثقيل (الديوتريوم).[39] ولكن الجدير بالذكر هنا هو ندرة الهيدروجين الثقيل وقد توقفت معظم الأقزام البنية عن دمج الهيدروجين الثقيل (الديوتريوم) قبل اكتشافها بوقت طويل، مما يجعلها متشابهة إلى حد بعيد مع الكواكب العملاقة.[40] ومع اكتشاف “حزام كوبير” الكبير والعديد من الأجرام السماوية قرصية الشكل المتفرقة في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، تم إطلاق لقب الكوكب العاشر على العديد من الكواكب، مثل كواور وسدنا 90377 وإيريس في العديد من وسائل الإعلام، ولكن أيًا منها لم يُعترف به علمياً إلى الآن، وذلك على الرغم من أن إيريس يُصنف الآن على أنه كوكب قزم.[41]
القرن الحادي والعشرون
تعريف الكوكب السماوية الذي يقع خارج المجموعة الشمسية
في عام 2003، قامت ورشة العمل الخاصة بالكواكب التي تقع خارج المجموعة الشمسية التابعة للاتحاد الفلكي الدولي بتقديم بيان حول تعريف مصطلح “كوكب” الذي تضمن التعريف العملي التالي الذي يركز في الأساس على الفرق بين الكواكب والأقزام البنية:[2]
الكواكب القزمة في 2006 | ||||
سيريز | بلوتو | ماكيماكي | هوميا | إيريس |
- الكواكب هي الأجرام السماوية التي تقل كتلتها الحقيقية عن الكتلة اللازمة لحدوث الاندماج النووي الحراري للهيدروجين الثقيل (والتي تُقدر حاليًا بضعف كتلة المشترى 13 مرة وذلك بالنسبة للأجرام التي لها الوفرة النظائرية نفسها التي للشمس[42]) والتي تدور حول أحد النجوم أو بقايا نجم في السماء (بغض النظر عن طريقة تكوينها). ويجب أن يكون الحد الأدنى لكتلة وحجم الجرم السماوي الذي يقع خارج المجموعة الشمسية مساوية لتلك الخاصة بكواكب المجموعة الشمسية لكي يصل هذا الجرم لمرتبة الكوكب، وكذلك هنالك أنواع من الكواكب التي لا تتبع مجموعات أو نجوم تسمى كواكب مارقة.[43]
- إن الأجسام دون النجمية التي تفوق كتلتها الحقيقية الكتلة اللازمة لحدوث الاندماج النووي الحراري للهيدروجين الثقيل يُطلق عليها “الأقزام البنية”، بغض النظر عن طريقة تكوينها أو موقعها.
- أما الأجرام السماوية السابحة في الفضاء في التجمعات النجمية الصغيرة والتي تقل كتلتها الحقيقية عن الكتلة اللازمة لحدوث الاندماج النووي الحراري للهيدروجين الثقيل فلا تُعد “كواكب”، ولكن يمكن أن نطلق عليها “الأقزام البنية الثانوية” (أو أي اسم آخر أنسب).[44]
وقد ذاع استخدام هذا التعريف بين علماء الفلك عند نشر اكتشافاتهم حول الكواكب التي تقع خارج المجموعة الشمسية في المجلات العلمية.[45] وعلى الرغم من أن هذا التعريف مؤقت، فإنه ما زال محتفظًا بمكانته كأفضل تعريف لحين إشعار آخر. ومع ذلك، فإنه لم يتطرق إلى الجدل الثائر حول الحد الأدنى للكتلة،[46] وبذلك تمكن هذا التعريف من تجنب الخلاف الثائر حول كواكب المجموعة الشمسية، وكذلك لم يُعلِّق على الأشياء التي تدور حول الكواكب القزمة مثل: 2 م1207ب (الأحمر).[47]
تعريف عام 2006
أثير الموضوع الخاص بالحد الأدنى للكتلة خلال انعقاد اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الفلكي الدولي في عام 2006، وبعد الكثير من المناقشا ورفض أحد المقترحات، وافقت الجمعية العمومية للاتحاد على التصويت لصالح قرار بتعريف كواكب المجموعة الشمسية:[48]
- الكوكب السماوية
- جسم سماوي في مدار حول الشمس.
- لديه كتلة كافية لجاذبيته الذاتية للتغلب على قوى الجسم الصلبة بحيث يفترض شكل توازن هيدروستاتيكي (دائري تقريبا).
- وضوح مداره.
- الكواكب الثمانية هي: عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشتري، زحل، أورانوس ونبتون.
وفقا لهذا التعريف تتكون المجموعة الشمسية من ثمانية كواكب. أما الأجرام التي ينطبق عليها الشرطان الأول والثاني فقط (مثل، بلوتو وماكيماكي وإيريس) فصنفت على أنها “كواكب قزمة”، بشرط ألا تكون أقمارا تابعة لكواكب أخرى. وقد قامت لجنة تابعة للاتحاد الفلكي الدولي بتقديم تعريف آخر تضمن عدداً أكبر من الكواكب.[49] وبعد مناقشات عديدة، تم الاتفاق على استبعاد تلك الأجرام السماوية وتصنيفها على أنها “كواكب قزمة”.[50] ويعتمد هذا التعريف أساساً على نظريات تكوين الكواكب، والتي تمكنت فيها الكواكب في أثناء مراحل تكوينها الأولى من إخلاء مدارها من الأجرام السماوية الأخرى الأصغر حجمًا. ويصف عالم الفلك “ستيفين سوتير” ذلك قائلاً:[51]
“المنتج النهائي لتراكم القرص الثانوي هو عدد صغير من الأجسام الكبيرة نسبيا (الكواكب) في المدارات غير المتقاطعة أو الرنانة، والتي تمنع الاصطدامات بينها. الكواكب الصغيرة والمذنبات، بما في ذلك كائنات حزام كايبر، تختلف عن الكواكب من حيث أنها يمكن أن تصطدم مع بعضها البعض ومع الكواكب”.
وبعد التصويت الذي جرى خلال انعقاد الجمعية العمومية للاتحاد الفلكي الدولي في عام 2006، ثار جدل شديد ومناقشات حادة حول ذلك التعريف،[38][52] بل إن بعض علماء الفلك قد صرحوا بأنهم لن يستخدموه مطلقا.[53] ويتركز هذا الخلاف حول الشرط (3) من تعريف الكوكب الخاص بوضوح مداره، حيث يرجح كثير من العلماء حذف ذلك الشرط، وأن ما يُطلق عليها الآن “الكواكب القزمة” يجب أن يشملها التعريف الخاص بمصطلح كوكب. أما على الصعيد غير العلمي، فقد نال بلوتو ما يستحقه من اهتمام واعتباره كوكباً منذ اكتشافه عام 1930. وقد ذُكر إيريس في وسائل الإعلام بعد اكتشافه بأنه الكوكب العاشر في المجموعة الشمسية، مما أثار انتباه وسائل الإعلام والرأي العام بشدة عندما تم تصنيفه ضمن ثلاثة كواكب أخرى بأنه “كوكب قزم”.