مدينة الاحساء

مدينة الاحساء

 

 

 

لأحساء (بالنطق المحلّي: الحَسا)؛ هي محافظة سعودية تقع في المنطقة الشرقية، وتبعد عن العاصمة الرياض 328 كلم.[2] تبلغ مساحتها 379,000 كم²، أي ما يُعادل 20% من أراضي المملكة العربية السعودية،[3] وتُغطّي صحراء الربع الخالي نحو ثلاثة أرباع المحافظة، بينما تُمثّل المنطقة المأهولة بالسكان والأنشطة 18% من إجمالي مساحتها،[4] وتتمثّل في مدينتي الهُفوف والمبرَّز، وهما ضمن أكبر عشر مدن على مستوى المملكة،[5] إضافة إلى أربع مدن رئيسة و22 قرية. وبحسب إحصاءات عام 2017، تصدّرت الأحساء محافظات المنطقة الشرقية في عدد السكان بحوالي 1,041,863 نسمة.[6]

تُمثّل الأحساء مشهدًا ثقافيًا مُتجدّدًا عبر تاريخ امتدَّ لأكثر من 6000 سنة، بسبب وفرة مياهها وخُصوبة أراضيها،[7] وأقدم سُكانها هم من الكنعانيين الذين سكنوا المنطقة منذ 3000 سنة قبل الميلاد، ومن سلالتهم العمالقة الفينيقيون الذين اشتهروا بأعمال الرّي والزراعة وهو ما يتناسب مع ظروف المنطقة.[8] تبعهم الكلدانيون في القرن السابع قبل الميلاد عند نزوحهم من أرض بابل سنة 694 ق م،[9] وأسَّسوا مدينة الجرهاء – الجرعاء، حيث قامت على أنقاضها هجر ثم الأحساء اليوم التي تضم مجموعة من المواقع الأثرية، ومجموعة من المدن المُندثرة مثل واسط، الناظرة، جواثى.[10][11]

يوجد في محافظة الأحساء أكبر حقل نفط في العالم، يبلغ اتساعه 280 في 30 كلم، يقع في الشرق من مدينة الهفوف وواحة الأحساء،[12] وينتج الحقل ما يزيد على خمسة ملايين برميل (800,000م3) من النفط يوميا أي ما يُعادل 6.25% من الإنتاج العالمي.[13] وبفضل ذلك فإن حجم مساهمة الأحساء في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة يقدر بحوالي 378 مليار ريال.[14][15]

تشتهر الأحساء بكثرة نخيلها التي تغطي مساحات هائلة من أراضيها وتزيد على ثلاثة ملايين نخلة،[16] وتنتج أكثر من مائة ألف طن من التمور سنويًا، أي ما يُعادل 10% من إنتاج المملكة [1]، وهي في الأصل واحة طبيعية، ومُصنّفة كأكبر واحات النخيل في العالم.[17] تمتلك الأحساء واجهة بحرية على الخليج العربي تبلغ مساحتها 133 كيلومترًا،[11] وكانت قديمًا من أغنى مناطق المملكة بالمياه الجوفية، والعيون التي يتراوح عددها بين 60 و70 نبعًا، أقدمها عين قناص بمدينة العيون ويَعود تاريخها إلى 4500 سنة قبل الميلاد،[18] إلا أنها جفت ونضب آخرها في العام 1996.[19][20][21]

في يونيو 2018، انضمت محافظة الأحساء إلى قائمة التراث الإنساني العالمي باليونسكو، باعتبارها مستوطنة كُبرى على مدى 500 عام مضت، ضمت بساتين النخيل والقنوات والعيون والآبار، ومناطق أثرية ومجموعة من التراث العُمراني داخل مستوطناتها التاريخية، وفي 2019 اختيرت الأحساء عاصمة للسياحة العربية، وفي 2020دخلت واحة الأحساء موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بوصفها أكبر واحة قائمة بذاتها في العالم.[22][23] وهي أيضا عضو في شبكة اليونسكو للمدن الإبداعية في مجال الحرف اليدوية والفنون الشعبية.[24][25] تضم الأحساء عددًا من المعالم مثل سوق القيصرية التراثي، المدرسة الأميرية، مسجد جواثى التاريخي، قصر إبراهيم وبيت البيعة، إضافة إلى واحة نخيل الأحساء التي تحوي عددًا من المباني والمواقع التراثية والطبيعية.

تاريخ

اسطرابون

يعود تاريخ الأحساء إلى مرحلة بداية انطلاقة التشكيل البشري لإنسان الخليج الذي بدأه الساميون الرعاة، والهجرات التي تلت ذلك من القبائل السامية الكبرى في الجزيرة العربية شمالًا وشرقًا، وكان إقليم الخليج -الذي تقع على ضفافه مدينة الأحساء- يعتبر محطة من محطات تلك القبائل، ومياهه بمثابة معبرًا لها إلى الهلال الخصيب، والسبب في ذلك يعود إلى كونها منطقة زراعية نتيجة خصوبة أراضيها ووفرة مياهها، إضافة إلى أهميتها التجارية لكونها ملتقى عدة طرق تجارية تربط الجزيرة العربية بفارس والهند من خلال ميناء العقير وميناء القطيف.[27] كان العنصر الفينيقيمن أوضح العناصر التي شكلت الدفعات الأولى من تلك الهجرات القادمة إلى الأحساء،[8] يؤيد هذا الرأي المقابر العديدة التي وجدت في هذا سواحل الأحساء وفي جزر البحرين المقابلة له، إذ أرسل ما وُجِدَ في تلك المقابر من آثار إلى المتحف البريطاني، وهناك تقرر أن هذه القبور من أصل فينيقي، ويرجع تاريخها إلى نحو خمسة آلاف عام،[28] والمعروف أن الفينيقيين هم أحد فروع الكنعانيين. انتقل الكنعانيون من ساحل الخليج إلى ساحل البحر المتوسط واستقروا في لبنان وسوريا وفلسطين ناقلين معهم أسماء مدنهم كصور وارواد، وجبيل وغيرها.[29] وعلى أثر هجرة الكنعانين من ساحل الأحساء استقر مكانهم الجرهائيون وهم فرع من الكلدانيين. وقد جاء وصفهم لمدينتهم على لسان الرحالة اليوناني اسطرابون الذي قال عن الأحساء:[30]

محافظة الأحساء

أسسها مهاجرون كلدانيون من أهل بابل في أرض سبخة، وبناؤها من حجارة الملح، تبعد عن سيف البحر ثمانين ألف ذراع

محافظة الأحساء

وقد عقب صاحب كتاب تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء محمد بن عبد الله آل عبد القادر الأنصاري على ذلك قائلًا:

محافظة الأحساء

..هذه المدينة التي أشار إليها اسطرابون هي مدينة هجر ويعني بحجارة الملح الجص الأبيض الناصع، وهو موجود في الأحساء بكثرة، وتبنى به البيوت حتى الآن

كذلك وصف المؤرخ اليوناني بوليبيوس الأحساء بأنها كانت تشكل مركزًا تجاريًا هامًا، وسوقًا من الأسواق النشطة في بلاد العرب وملتقى لطرق القوافل الواردة من جنوب الجزيرة العربية ومن الشام والحجاز والعراق والهند، وأن سكانها من أغنى شعوب الجزيرة وكان عماد ثروتهم الذهب والفضة،[31] وهو ما حرك الطمع في نفس الملك السلوقي أنطيوخس الثالث،[32] فقاد أسطوله في عام (205 ق.م) قاطعًا به دجلة متوجهًا إليها ليستولي على كنوزها، ولكن أهلها خوفًا منهم على مدينتهم وحبًا منهم للسلام وحفاظًا على حريتهم التي كانوا يعتزون بها أرسلوا إليه وفدًا يحمل هدية كبيرة من الذهب والأحجار الكريمة، وحملوا معهم إليه رجاءهم بأن لايحرمهم من نعمة السلام والحرية، فقبل أنطيوخس الهدية وقفل عائدًا إلى بلاده، وربما كانت الصحراء القاحلة وماتحمله الرحلة من مغامرة السبب الرئيس الذي أقنع الملك السلوقي بالعودة عن عزمه.[33][34]

لذا فالأحساء في العصور القديمة مرت بثلاث مراحل تاريخية، تقسم إلى الفترة التي كانت جزء من مدينة الجرهاء التي أسسها الكلدانيون، ثم منطقة هجر في بداية القرن الثالث الهجري (317هـ – 929م)، والتي كانت تعتبر جزءًا من إقليم البحرين،[35] الممتد من الفرات شمالًا إلى عمان جنوبًا،[36] وفي بعض الفترات لم يكن هناك ما يميّز في التسمية ما بين البحرين وهجر والأحساء دل على ذلك كتابات بعض الرحالة الأوروبيين قبل القرنين الماضيين أمثال عالم الخرائط كارستن نيبور في عام 1772 وفورستر سادلير في عام 1823، وتنتهي هذه الفترة حينما تقلص اسم البحرين تدريجيًا عن المنطقة وأصبح يطلق على مجموعة من الجزر في الخليج العربي كانت تعرف باسم أوال، وأخيرا الفترة التي دعيت الأحساء باسمها الحالي حينما بنى أبو طاهر الجنابي القرمطيمدينة جديدة في موقع منطقة هجر المطلة على الخليج العربي ليجعل منها مقرًا لحكمه أطلق عليها اسم الأحساء، وبقيت على هذا المسمى حتى اليوم.

مدينة الجرهاء

هي مدينة مندثرة أسسها الكلدانيون عند نزوحهم من أرض بابل سنة 694 ق م، ويرجح المؤرخون أن هجر قامت على أنقاضها، ثم الأحساء اليوم، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الجرعاء السوق الأحسائي الذي ذكره المؤرخ أحمد بن محمد الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب، ومما يؤكد أن الكلدانيين سكنوا الأحساء قديما العثور على نقوش كلدانية يعود تاريخها إلى القرن التاسع قبل الميلاد. أطلق عليهم العالم اليوناني اسطرابون اسم جرهين وقال أنهم أغنى العرب يقتنون الرياش الفاخرة ويمتلكون آنية الذهب والفضة والحجارة الكريمة وعلى يدهم تأسست إمارة الجرهاء، ويصل قُطر مساحة الجرهاء خمسة أميال بحسب ما ذكر المؤرخ بليني، وأن بها أبراج قائمة مشيدة من أحجار الملح، ولهذا السبب لم يدون سكانها كتاباتهم على معابدهم وقلاعهم لأن أبنيتهم من حجارة الملح فهي لا تتحمل عوامل المناخ، إضافة إلى أن واحة الأحساء ليس بها جبال كغيرها من المدن ينقشون عليها طقوسهم الديني

مدينة هَجَر

200x200pxوهي

مدينة تتبع إقليم البحرين آنذاك كانت تقع ما بين جبل رأس القارة وجبل أبو حصيص والجزء الشمالي من جبل القارة في الأحساء اليوم، وهو موضع يسمى الآن ببلدة الكوارج،[39] كان لها من الأهمية لدى سكان داخل شبه الجزيرة العربية ما جعلها السوق العظمى للمناطق الوسطى والشرقية منها، بفضل ميناء العقير حلقة الوصل في جلب البضائع وتصديرها من وإلى بلاد فارسوالهند والصين وإفريقيا وبلاد الرافدين.

ذكر ابن فقيه الهمداني في كتابه البلدان بأن لهجر قصبات ثلاث يُقصد بها وسط المدينة وهي متقاربة جدا، وهي حصن المشقَّر الذي شَهِد إيقاع حامية كسرى إبّان ظهور الإسلام وقبل هجرة الرسول إلى المدينة، وأصبح هذا اليوم يسمى بيوم المشقَّر، وحصن الصفا وهو حصن قريب من حصن المشقَّر كان قائما في جبل رأس القارة في بلدة القارة، وجبل الشبعان وهو الجبل الذي يعرف حاليا في الأحساء باسم جبل القارة،[40] وبين الصفا والمشقَّر يجري نهر يسمى المُحلّم قال فيه الشاعر ميمون بن قيس البكري (الأعشى):[39]

وَنحنُ غَداةَ العَينِ يَومَ فُطَيمَةٍ مَنعنَا بَنِي شَيبَانَ شُربَ مُحَلّمِ

وقال عنه العالم اللغوي محمد بن أحمد الأزهري صاحب كتاب التهذيب في اللغة:[39]

محافظة الأحساء

مُحَلّمِ عين فوّارةٌ بالبحرين، وما رأيت عينًا أكثر ماءًا منها، وماؤها حارٌ في منبعهِ، وإذا برد فهوَ ماءٌ عذب، ولهذهِ العين إذا جرَت في نهرِها خُلًجٌ كثيرةٌ تتخلّجُ منها، تسقي نخيل جُوَاثى وعسلّج وقُريّاتٌ من قرى هَجَر، وأرى مُحلّمًا اسم رجلٍ نُسبت العينُ إليه

محافظة الأحساء

وعندما ظهرت الدعوة الإسلامية أرسل الرسول محمد إلى هجر العلاء بن عبد الله الحضرمي في القرن السابع الميلادي الموافق للسنة الثامنة الهجرية[41]، واستطاع العلاء بن عبد الله الحضرمي اقناع حاكم هجر آنذاك المنذر بن ساوى بالدخول في الإسلام، وكان الرسول محمد قد أرسل له مع العلاء رسالة هذا نصها:[42]

محافظة الأحساء

بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى، فإني أحمد الله لا إله إلا هو أما بعد: فإن من صلى صلاتنا ونسك نسكنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذاك المسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا، له ذمة الله ورسوله، ومن أحب ذاك من المجوس فهو آمن ومن أبى فعليه الجزية

محافظة الأحساء

اندثرت مدينة هَجَر بعد أن دخلها مؤسس الدولة القرمطية في إقليم البحرين أبو سعيد الحسن بن برهام الجنابي في العقد الثامن من القرن الثالث الهجري، فأحرقها بالنار ودكت بالأرض حتى تساوت به

حكم القرامطة

شعار طائفة الإسماعيلية الدعوة التي قادها حمدان الأشعث مؤسس الدولة القرمطية

هي دولة قامت إثر ثورة اجتماعية سنة (286هـ – 899م) ضد الدولة العباسية بقيادة حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط، الذي أسند إلى أبو سعيد الحسن بن برهام الجنابي مهمة الاستيلاء على إقليم البحرين، فأغار على عاصمتها هجر وأحرقها بالنار ودكت بالأرض حتى تساوت بها، ثم جمع جيشًا من أتباعه وزحف بهم على البصرة سنة (311هـ – 923م) واحتلها ثم عاد إلى البحرين، وبعد وفاة أبو سعيد الجنابي تولى ابنه أبو طاهر الجنابي الحكم في إقليم البحرين سنة (317هـ – 929م)، وبنى في موقع هَجَر مدينة سماها الأحساء وهي التي نمت وأصبحت قاعدة إقليم البحرين، ونجح في تأسيس دولة قائمة على نظام حكم يعود على حاكم واحد وله مجلس استشاري يعرف بالعقدانية تُصدر منه الأوامر وتُعقد في مقره الاتفاقات، وأسس نظام اقتصادي يلغي الملكيات الخاصة ويعتمد على نظام ملك جماعي تديره الدولة، وبعد أن قويت الدولة اقتصاديا وتوسعت نفوذها اعتمد على الأموال الخارجية والإتاوات، حيث استطاع أبو طاهر من خلال الهجمات والغزوات المتكررة فرض الإتاوات على الدولة العباسية والدول المجاورة الأخرى.[44][45]

وفي شهر ذي الحجة من العام نفسه الذي تأسست فيه مدينة الأحساء زحف زعيم القرامطة إلى مكة المكرمة، بسبب مكانتها الاقتصادية وقيل لإذلال الدولة العباسية سياسيا ودينيا، وقتل من فيها من حجيج ذلك العام عشرين ألفا واقتلع الحجر الأسود وعاد به إلى الأحساء وبقي في إحدى قراها قرابة 22 سنة[46]، حتى أرسل الخليفة العزيز بالله الفاطمي تحذيرا إلى القرامطة بأن يسير لهم جيشًا إلى الإحساء إن لم يعيدوا الحجر الأسود إلى مكانه، فأعادوه إلى مكة خوفا على ملكهم في الأحساء سنة (339هـ – 950م).[30][45]

سرعان ما بدأ الضعف يتفشى في حكم القرامطة منذ نهاية القرن الرابع الهجري عندما استمرت الأعمال العدائية بين القرامطة والدولة الفاطمية في مصر حتى أصبحت حرب معلنة، فاستغلت القبائل في الأحساء انشغال القرامطة في حروبهم الخارجية وأخذوا يتنازعون على السيادة، وهنا برز العيونيون بقيادة عبد الله بن علي العيوني واستطاع أن يكوّن التحالفات والتكتلات، وبمساعدة من السلطان السلجوقي ملك شاه تمكّن من إسقاط الدولة القرمطية سنة (467هـ – 1076م).[47]

إمارة العيونيون[عدل]

حكم العيونيون الأحساء في سنة (467هـ – 1076م)، وسمّوا بذلك نسبة إلى مقر نشأتهم مدينة العيون، امتد نفوذ حكمهم من الكويت شمال شرقي الجزيرة العربية – كانت تُعرف باسم كاظمة – إلى بلاد العروض والأطراف الصحراوية المحاذية لقطر، وهي المنطقة التي كانت مسماة بإقليم البحرين وعاصمتها الأحساء، وكان حكمهم نتيجة ضعف الدولة العباسية وانشغالها بأوضاعها الداخلية والخارجية والانقسامات الداخلية في دولة القرامطة التي كانت تحكم الأحساء قبل إمارة العيونيون وحروبها مع الدولة الفاطمية في مصر، حيث عمّت الفوضى أرجاء الإقليم قرابة الخمسين سنة من جانب القبائل التي تنازعت على السيادة في الأحساء، حتى ظهر الأمير عبد الله بن علي العيوني مؤسس الإمارة العيونية، وخاض الحروب لمدة 7 سنوات حتى أعلن فيها الأمير عبد الله نهاية الدولة القرمطية وقيام الإمارة العيونية.[48]

تداعت الإمارة العيونية وضعف شأنها بعد تحولها إلى قبيلة متنافسة متناحرة تتنازع على السلطة، الأمر الذي شجع العصفوريين وهم فرع من قبيلة بني عقيل، في الهجوم على الأحساء وفرض سيطرتهم عليها بقيادة عصفور بن راش

الدولة العصفورية

هي عائلة عامرية من سلالة هوازن حكمت الأحساء في (651هـ – 1253م) ودام حكمهم قرابة 150 سنة تمكّنوا فيها من بناء علاقات وطيدة وأواصر سياسية مع القوى والدول المحيطة بهم، على رأس أولئك السلغريون أتابكة فارس ومماليك مصر ومغول العراق وإيران والطيبيون حكام فارس وجزيرة قيس ومملكة هرمز، وكان عليهم خلال هذه الفترة مواجهة مخاطر بقايا الإمارة العيونية، والخطر المنبعث من مملكة جزيرة قيس التي تملك أسطولا بحريا وتجاريا قويا يتحكم بتجارة وسيادة الخليج العربي، وظهور خطر المغول وانتشار هجماتهم المتكررة في إيران الأمر الذي أدّى إلى اضطرابات في الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية في إيران وصل أثره إلي مياه الخليج العربي وسواحله.[50]

سقطت الدولة العصفورية على يد رجل يدعى جروان المالكي استغل ظهور النزاعات حول السلطة خلال حكم أبناء الشيخ مانع بن عصفور وضعف الدولة آنذاك، واستطاع عن طريق القوة العسكرية اقتطاع جزء من الدولة العصفوريةوالاستقلال به، في الجانب الآخر اقتسم فيروز شاه الجزء الأعظم منها واستمر سلطانه فيها وفي الأحساء والقطيف وهرمز حتى سنة (819هـ – 1417م) ثم أعقبه ابنه سيف الدين مهار الذي استمر حكمه إلى سنة (840هـ – 1436م).[51]

الإمارة الجروانية

قامت الإمارة الجروانية على يد مؤسسها جروان المالكي من قبيلة عبد القيس في (795هـ – 1393م) واتخذت من القطيف عاصمة لها،[52] ودام حكمها حتى عام 1475م، عندما استغل زامل بن حسين بن جبر انشغال مملكة هرمز التي كانت تحكم جزء من أقليم البحرين آنذاك بمشاكلها الداخلية، واستطاع أن يضم ميناء القطيف إلى ملكه وأعلن قيام الدولة الجبرية.[53]

الإمارة الجبرية

مع سقوط الإمارة الجروانية في (880هـ – 1475م) تولى الجبور الحكم في الأحساء وهم فرع من فروع قبيلة بني خالد، واتخذوها قاعدة لتوسعة حكمهم في شرق شبه الجزيرة العربية والبحرين، تزامنت فترة حكم الجبور مع دخول البرتغاليينإلى منطقة الخليج، وكانت الدولة الجبرية من أوائل القوى العربية في المنطقة التي بدأت تقاوم الغزو البرتغالي منذ اللحظة التي وصل فيها للسواحل العربية لأول مرة، وأرسلوا بقواتهم لنجدة ميناء مسقط الذي كان يحاصره الأسطول البرتغالي وعندما وصل القائد البرتغالي “إلبر كرك” بأسطوله أمام صحار سنة 1507 التقى بجيش قوامه 700 رجل يقوده ابن جبر.[54]

لكن البرتغاليون تمكنوا من إحكام السيطرة على مملكة هرمز وممتلكاتها وموانئها، وأصبحوا يتحكمون في مداخل الخليج العربي وبعض أجزاء من سواحله، الأمر الذي جعل الجبور في صراع مباشر مع البرتغاليين، فتراجع الجبور وضعفت قوتهم وكان من الصعب على الدولة الجبرية التصدي للهجمات المتكررة من البرتغاليين الذين يفوقونهم في العدد والقوة البحرية. ومع تكرار الحملات التي جابهتها الدولة الجبرية تدهورت أوضاعها وضعفت قوتها وجاءت حملة عام (927هـ – 1521م) لتعلن نهاية الإمارة الجبرية في الأحساء في (930هـ – 1524م)، وخضوع المنطقة لحكم العثمانيين.[55]

الحكم العثماني الفترة الأولى

مر تاريخ التواجد العثماني في الأحساء بفترتين كانت الأولى في العام (954هـ – 1552م) حتى (1080هـ – 1669م)، عندما أدرك العثمانيون أهمية موقعها ومواردها في ظل حروبهم مع البرتغاليين والفرس، فاتخذوها عاصمة ومركز حكم لهم في منطقة الخليج، فأقاموا فيها القلاع والحصون أكثر مما بنوا في مثيلاتها من البلدان في الشام والعراق، فكان من أهم قصورهم وقلاعهم الصامدة حتى الآن قصر وقلعة إبراهيم ومسجده، وكذلك قصر العبيد في الهُفوف.[56]

إلا أن المنطقة شهدت في بداية حكم العثمانيين حروب وصراعات كثيرة كان ذلك في أواسط القرن العاشر الهجري، وقد هاجر بسبب ذلك الكثير من الأهالي في الأحساء والقطيف إلى جزيرة أوال والعراق وبلاد فارس، ومنهم آل مقلد وآل رحال وآل مسلّم،[57] بخاصة عندما فرضت الدولة العثمانية ضرائب باهظة تفوق ما يمكن أن يحصله الفرد الواحد خلال سنة، وفي ظل هذه الأوضاع برزت في المنطقة قبيلة بني خالد فقاد زعيمهم براك بن غرير ثورة داخلية في العام (1080هـ – 1669م) ضد الوجود العثماني في الأحساء، سقط على إثرها الحكم العثماني في المنطقة وتولى بنو خالد الحكم فيها.[58]

دولة بني خالد

قامت دولة بني خالد في الأحساء إثر ثورة داخلية ضد الوجود العثماني في المنطقة، واستمر حكمهم لأكثر من قرن وربع انتهى على يد جيوش الدولة السعودية الأولى في العام (1208هـ – 1794م)، ولكن بعد سقوط الدرعية في نجد عام (1233هـ – 1818م) في أيادي الأتراك بقيادة محمد علي باشا، عاد النفوذ العثماني على الأحساء لفترة قصيرة انتهت بعد انسحاب إبراهيم باشا من نجد في العام (1234هـ – 1819م)، وهي الفترة التي استعاد فيها بنو خالد حكمهم في الأحساء.[27]

الحكم العثماني الفترة الثانية

الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة.

كانت المرحلة الثانية للحكم العثماني في الأحساء في الفترة الممتدة من عام 1871 حتى 1913 خلال عهد السلطان العثماني عبد العزيز الأول الذي سعى لإخضاع المناطق الخارجة عن الخلافة العثمانية في شبه الجزيرة العربية واستعادتها، من خلال حملة بقيادة مدحت باشا نجحت في استعادة الأحساء إلى الحكم العثماني، وتعزيزها عسكريا بـ 3400 جندي موزعين على الهفوف والقطيفوالعقير، وجعل الهفوف قاعدة للمنطقة، ولكن تفشي الكوليرا والحمى بين الجنود وانخفاض الإمدادات العسكرية إلى جانب انشغال الدولة العثمانية في حربها مع روسيا أضعف هذه القوة في المنطقة، الأمر الذي ساعد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية في نجد وبطلب من الأهالي في المنطقة على ضم الأحساء إلى مملكته بعد أن قوي مركزه في نجد.[30][59]

ضم الأحساء إلى الدولة السعودية

في الفترة التي أصبح فيها اسم الأحساء يطلق على المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية الممتدة على الساحل الغربي من الخليج العربي من حدود الكويت الجنوبية إلى حدود قطروالإمارات وعُمان وإلى صحراء الدهناء من الغرب،[27] جهز الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية في الثامن من مايو 1913 جيشا سار به إلى الأحساء حتى بلغ أسوار عاصمتها الهفوف،[60] وتمكن نحو مائتان وخمسون من رجاله تسلق أسوارها، بمساعدة من أعيان الأحساء الذين مهدوا لهم من الأسباب مايمكّنهم من تسلق السور،[27] فانتبه العسكر ولكن لم يتمكنوا من مقاومتهم، وفي حين كانت جنود الملك عبد العزيز قد احتلت بعض الحصون من الجهة الشمالية الغربية والجنوبية في الأحساء،[49][60] دخل الملك عبد العزيز الهُفوف وذهب إلى بيت الشيخ عبد اللطيف الملا، وطلب أن يجتمع أعيان البلدة ليبايعوه فكان له ذلك، فعيّن عليهم الأمير عبد الله بن جلوي حاكمًا لمنطقة الأحساء،[61] وفي اليوم الثاني من دخوله استطاع أن يعقد المفاوضات مع الأتراك في الخروج من الأحساء وتسليم ما لديهم من أسلحة وعتاد ومفاتيح لقصر إبراهيم، إضافة إلى وثيقة وُقعت من الملك عبد العزيز آل سعود والمتصرف التركي أحمد نديم ليتم ترحيلهم عن طريق ميناء العقير ومنه إلى البحرين ثم البصرة.[61][62][63]

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Main Menu