مدينة جدة
مدينة جدة هي مركز محافظة جدة إحدى محافظات منطقة مكة المكرمة، وتقع في غرب المملكة العربية السعودية على ساحل البحر الأحمر. تبعد المدينة 949 كم عن العاصمة الرياض، وتبعد 79 كم عن مدينة مكة المكرمة، وتبعد 420 كم عن المدينة المنورة، وتعد العاصمة الاقتصادية والسياحية للمملكة العربية السعودية، وتُعدّ الوجهة الأولى في المملكة للسائح سواءً من داخل المملكة أو خارجها، يبلغ عدد سكانها 4,697,000 نسمة اعتبارًا من عام 2021، وتبلغ مساحتها الإجماليّة 84,658 هكتار (846.58 كـم2)،[7][8] وهي ثاني أكبر مدن المملكة العربية السعودية بعد العاصمة الرياض وأكبر مدينة في منطقة مكة المكرمة،[8] وتُعدّ بوابة الحرمين الشريفين،[9] بها أكبر ميناء بحري على البحر الأحمر، وتُعدّ مركزاً للمال والأعمال في المملكة العربية السعودية ومرفأً رئيسياً لتصدير البضائع غير النفطية ولاستيراد الاحتياجات المحلية، ويوجد في مدينة جدة ما يقارب 135 ناطحة سحاب، كما يوجد بها مقرات للبنوك العالمية.[10][11][12] تُلّقب جدة بـ«عروس البحر الأحمر»، وهي أكبر المدن المطلة عليه، مما أكسبها أهمية كبيرة بالنسبة لحركة التجارة الدولية مع الأسواق الخارجية، وهي من قديم الزمان كانت تمثل المنفذ الخارجي للمملكة، ونتيجة لذلك عاشت نهضة صناعية كبيرة وتطورًا في جميع المجالات التجارية والخدمية، الأمر الذي جعلها من أكثر المدن استقطاباً للأعمال حتى صارت مركزاً هاماً للمال والأعمال.
اكتسبت جدة أهمية سياحية وباتت من أكثر المدن السعودية التي تحتضن مرافق ومنشآت سياحية متطورة كالفنادق والشقق المفروشة والمنتجعات والمطاعم، إضافة إلى المراكز الترفيهية والمتاحف الأثرية والعلميّة والتاريخية ومتاحف التراث، وتحتوي مدينة جدة على أكثر من 320 مركزاً وسوقاً تجارياً، وبذلك تمثل ما يزيد على 21% من إجمالي الأسواق والمراكز التجارية بالمملكة، وكما أنها تعرف بالمتحف المفتوح لوجود أكبر عدد من المجسمات الجمالية (360 مجسم) صممها فنانون عالميون في فن النحت. تتميّز المدينة بكورنيش جدة والذي يمتد بطول الساحل لما يزيد عن 48 كيلومتر (35 كم منه يحتوي مرافق وخدمات عامة)، ويملك أحدث تجهيزات الرفاهية والمناظر الرائعة للبحر الأحمر، وعند المشي من الكورنيش باتجاه مركز المدينة يمكن مشاهدة أعلى نافورة في العالم، وهي نافورة الملك فهد التي ترتفع قرابة 312 متراً عن سطح البحر. يدخل إلى جدة سنوياً عبر مطار الملك عبد العزيز الدولي أعداد كبيرة، تصل إلى 5 مليون نسمة سنوياً بهدف العمرة أو الحج أو العمل أو السياحة والترفيه. مما يشكل قوة شرائية هامة وذات طلب مؤثر على المشروعات السياحية والترفيهية وقطاعات الأعمال والتجارة.[13][14][15
النشأة وسبب التسمية
تعود نشأة محافظة جدة إلى ما يقارب 3000 سنة.[16] ويذكر أهل الأخبار أن جدة بن جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وهو أحد العرب قبل الإسلام ولد في جدة فسماه أهله باسمها.[17] وكان التحول التاريخي لمدينة جدة في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان سنة 647 م عندما أمر بتحويلها لميناء لاستقبال حجاج البحر المتجهين لأداء الحج في مكة المكرمة. ولاتزال جدة إلى اليوم المعبر الرئيسي لحجاج البحر والجو والكثير من حجاج البر. ويذكر في معنى اسم جدة آراء عدة منها:
- بضم الجيم: يقال إن أصل التسمية لهذه المدينة هو جُدَّة التي تعني بالعربية شاطئ البحر، وهي التسمية التي ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان.[17] وابن بطوطةفي رحلته.[18][19]
- بفتح الجيم: رأي يقول أن الاسم هو جَدَّة (بمعنى والدة الأب أو الأم). ينسب سكان المدينة التسمية لأم البشر حواء التي يقولون أنها دفنت في هذه المدينة التي نزلت إليها من الجنة بينما نزل آدم في الهند والتقيا عند جبل عرفة ودفنت هي في جدة. وتوجد مقبرة في جدة تعرف باسم مقبرة أمنا حواء.[20] ولها معنى ثاني وهو الطريق الواسع الممتد.[21]
- بكسر الجيم: أي جِدّة وهذا هو النطق الشائع عند أهل جدة أنفسهم.[22]
التاريخ
مقالة مفصلة: جدة التاريخية
ما قبل الإسلام

مقبرة أمنا حواء في عام 1913.
نشأت جدة في الألفية الأولى قبل الميلاد على يد مجموعة من الصيادين الذين استقروا بها واتخذوها نقطة للانطلاق في رحلات الصيد،[23] وقد عثر في وادي بريمان وفي وادي بويب وفي أماكن أخرى على العديد من الآثار والنقوش منها نقش ثمودي لرجل اسمه “ساكت” يطلب من الإله أن يشفي زوجته “جامع” التي أصيبت بالحمى.[24] انتقلت قبيلة قضاعة بعد انهيار سد مأرب في سنة 115 قبل الميلاد إلى جدة،[25] وذكر المؤرخ المصري محمد لبيب البتنوني في كتابه الرحلة الحجازية أنه رأى قبراً ينسب لأم البشر حيث يقول: «وهناك مر بخاطري أن هذا المكان ربما كان لقضاعة فيه قبل الإسلام هيكل لحواء أم البشر ، يعبدونها فيه ، كما كانت هذيل تعبد سواع بن شيث بن آدم».[26] تذكر الروايات أيضاً أن عمرو بن لحي كان له تابعٌ من الجن قال له «ايْتِ سَيْفَ جُدَّةَ تَجِدْ آلِهَةً مُعَدَّةً فَخُذْهَا وَلَا تَهَبْ وَادْعُ إِلَى عِبَادَتِهَا تُجَبْ» فذهب إلى مدينة جدة واستخرج الأصنام الخمسة التي عبدها قوم النبي نوح ومن هناك انتشرت عبادة الأصنام بين العرب.[27] وذكر ابن الكلبي أنه كان في ساحل جدة صنم لبني مالك وبني ملكان من قبيلة كنانة يقال له سعد وكان صخرة طويلة.[28]
روايات المؤرخين العرب رغم عدم وجود أي دليل عليها تعطي جدة زمناً أقدم حيث أن المدينة هي الموضع الذي نزلت فيه حواء أم البشرية،[23] وتذكر أيضاً أن الإسكندر الأكبر (356 قبل الميلاد ~ 323 قبل الميلاد) زار مدينة مكة في زمن النضر بن كنانة (الجد الثاني عشر للنبي محمد) ثم أبحر من جدة في طريقه للحرب على شمال أفريقيا.[29][30][31]
يذكر مؤرخ جدة الشيخ عبد القدوس الأنصاري في كتابه المعروف «موسوعة تاريخ مدينة جُدة» حيث قال: وورد في معجم ياقوت (وغيره من المصادر) مؤشر آخر لقِدَمِ مدينة جدة وقِدَمِ معرفة العرب بها، ولقِدَمْ تسميتها باسمها الحالي إذ يقول ياقوت: «إن أبا المنذر قال: «وبجُدة وُلِدَ جُدة بن حزم بن ريان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة فسُمي جُدة باسم الموضع»». ويكمل الأنصاري أيضًا: إن من رواد مدينة جدة قديمًا عمرو بن لحي الخزاعي، وينقل عن رواية هشام بن محمد بن السائب الكلبي الذي يقول فيها أن: «أبو خزاعة عمرو بن لحي أتى إلى شاطئ جُدة». ومن كل ذلك وغيره يستنتج الأنصاري أن جُدة: «مدينة قديمة وأنها كانت معروفة منذ فترة ما قبل الإسلام بنفس الاسم الذي نطلقه عليها اليوم»، ويُكمل أيضًا: «جُدة أعرق في القِدَمْ مما كنا نتصوره، وأن أهل الجاهلية كانوا يعرفونها باسمها ومسماها. وإتيان عمرو بن لحي إليها واستثارته لأرضها، لإخراج ما دفن بها من الأصنام بسبب عوامل قدم الزمان، وتقلب الأحوال، وعلى أنها كانت مدينة تتمتع بعمران زاخر وسكان وافرين مترفين». ثم يكمل الأنصاري: «وقد يبدو أن جدة بعد ذلك الازدهار العمراني والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، أصابها ما أصاب سواها من الاندثار، بعوامل قد يكون من بينها الجفاف العام الذي سيطر على بلاد العرب في سالف الحقب بسبب التبدلات التي طرأت على قشرة الأرض من جراء عوامل تبدل المناخ وتقلص المياه واندفاق البحار إلى جهة، وانحسارها عن جهة أخرى، وما إلى ذلك».[32][33]
كانت جدة معروفةً عند العرب عامةً وأهل مكة خاصة في تلك الفترة بأنها كانت ميناءً لمكة، ثم أصبحت الشعيبة ميناء مكة الرئيسي مع بقاء جدة ميناءً رديفًا، ثم بعدها وفي زمن الخلافة الراشدة عادت جدة فيما بعد الميناء الوحيد لمكة عام 26 هـ بأمر من الخليفة عثمان بن عفان. ودلالة على ارتباط قريش بجدة كميناء، ما ذكره ياقوت الحموي عندما قال: «رمى البحر بسفينة إلى جُدة فابتاعت قريش خشبها واستعانت به على بناء الكعبة»، وهذا مما دل أن جدة كانت ميناء لأهل مكة مع ميناء الشعيبة قبل الإسلام، ومما يورده الشيخ أحمد بن محمد الحضراوي في كتابه: الجواهر المعدة في فضائل جدة، الذي يؤرخ فيه لمدينة جدة، فيقول: «خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب الجمحي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربًا منك ليقذف نفسه في البحر، فأَمَّنَهُ النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال: هو آمن، قال: يا رسول الله أعطني شيئًا يعرف به أمانك، فأعطاه رسول الله، عمامته التي دخل فيها مكة، فخرج بها عمير، حتى أدرك صفوان في جدة، وهو يريد أن يركب البحر».[34][35]
ويقول الأنصاري أيضًا: «يُجمع المؤرخون وكتاب السيرة النبوية والرحالون العرب القدامى والمحدثون على أن جُدة لم تستكشف في عهد عثمان وإنما أعيد جعلها مرفأ لمكة المكرمة في عهده بعد ما استقرت أوضاع العرب في إطار الإسلام». بينما ذكر المؤرخ المكي الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الحضراوي المكي الشافعي المتوفى سنة 1327 هـ: أنه في السيرة الحلبية وغيرها أن قريش حين بنوا الكعبة المشرفة في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان البحر قد رمى بسفينة إلى ساحل جُدة وكان ساحل مكة الذي قبل ذلك يرمي به السفن يقال له الشعيبة، فلما كانت السفينة بالشعيبة ساحل مكة انكسرت، وقيل: كانت تلك السفينة لقيصر ملك الروم، يُحمل له فيها الرخام والخشب والحديد، فلما بلغت مرساها من جُدة، وقيل من الشعيبة بعث الله عليها ريحا فحطمها، فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى السفينة فابتاعوا خشبها
في العهد الإسلامي[عدل]

خريطة تبين الحملة البرتغالية على جدة عام 1517.

صورة من القرن السادس عشر لهجوم برتغالي على جدة في عام 1517.[37]
في عام 647 كلم أهل مكة عثمان بن عفان ليحوّل الساحل من الشعيبة وهي ساحل مكة قديما في الجاهلية إلى جدة لقربها من مكة، فخرج عثمان إلى جدة ورأى موضعها وأمر بتحويل الساحل من الشعيبة إليها، ودخل البحر واغتسل فيه وقال: «إنه مبارك»، وقال لمن معه: «ادخلوا البحر للاغتسال، ولا يدخل أحد إلا بمئزر».[38]
يقول المؤرخ محمد صادق دياب: إن جدة ظلت طوال عهد الدولة الأموية وعهد الدولة العباسية محكومة بحاكم مكة وتابعة له، فهي مرفأ مكة وخزانتها، وقد غَبط معاوية بن أبي سفيان عامله في الحجاز سعيد بن العاص لأنه كان يتربع في جدة ويتقيظ في الطائف ويشتي في مكة. ويذكر دياب أن بعض الأمويين لجئوا إلى جدة بعد سقوط دولتهم. ومنهم عبد الله بن مروان بن محمد، وقد شهدت جدة خلال العهدين الأموي والعباسي الكثير من الأحداث الهامة، حيث ذكر الطبري أن (الكرك) وهم قوم من الحبشة قد أغاروا على جدة من البحر سنة 151 هـ فجهز لهم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور جيشاً لحربهم. ويبين دياب أن الأحباش عادوا إلى مهاجمة جدة أيضاً في عام 183 هـ وأوقعوا بها، فاستعان أهلها بمكة التي هبت لمساعدتهم والحقوا الهزيمة بالأحباش الذين فروا إلى مراكبهم. وتذكر المصادر أن السري بن منصور الشيباني خرج على الخليفة المأمونفي العراق يدعوا إلى العلويين، واستولى على بعض المناطق في العراق فأرسل إلى مكة ببعض جيوشه بقيادة حسين الأفطس الذي قدم إلى جدة بعد أن سلمت له مكة فاحتلها واستولى على أموال أهلها، ثم ظهر معارض آخر من العلويين في مكة عام 251 هـ وهو إسماعيل بن يوسف العلوي فاستولى على مكة وأجبر أميرها العباسي جعفر بن الفضل على الفرار، وقدم بعد ذلك إلى جدة فاحتلها وأغتصب أموال تجارها وأصحاب المراكب فيها. ثم في عام 268 هـ أغار أبو مغيرة المخزومي – ولي صاحب الزنج – على جدة فنهب الطعام وحرق بيوت أهلها ولم تتحرر من قبضته إلا في عام 269 هـ بواسطة والي مكة من قبل العباسيين محمد بن أبي الساج. فكانت جدة حتى نهاية القرن الرابع الهجري مدينة عامرة مأهولة كما يذكر المؤرخون، مثل البلخي والبشاري والإصطخري الذين أجمعوا على وصف جدة بأنها مدينة كثيرة التجارة حصينة عامرة بأهلها، حيث قال عنها الإصطخري: «وجدَّة فرضةُ أهل مكَّة على مرحلتين منها، على شطِّ البَحَر، وهي عامرةٌ كثيرةُ التجارات والأموال، وليسَ بالحِجَاز بعدَ مكَّة مالاً وتجارةً أكثر منها، وقُوَامُ تجاراتها بالفُرْس».[39]
بعد أن تعمق دور جدة الطبيعي خلال تلك الفترة كميناء وحيد لمكة، استقبلت في عهد الخليفة المهدي العباسي أساطين الرخام التي وردت من الشام ومصر إلى مكة لعمارة المسجد الحرام. فشهدت جدة خلال تلك الفترة قدراً راقياً من الحياة الاجتماعية والأدبية، فمن شعرائها في القرن الأول الهجري الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب ولقد استمد لقبه منها فكان يلقب بالأخضر الجدي، وهو إلى جانب الشعر يبدو أنه كان مغنياً معروفاً حتى أن أبا السائب نادى عليه وعلى ابن أبي سلمى الزهري بقوله «يا مطربي الحجاز». ومن شعراء جدة كذالك في القرن الثاني الهجري عبد الله بن أيوب التيمي وكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد ومن الذين امتدحهم.[40][41] أشار ابن جبير وابن بطوطة في رحلتيهما إلى أن المدينة ذات طراز معماري فارسي عندما زاراها. وقال عنها المقدسي البشاري (توفي 990م) صاحب كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، حيث قال: «محصنة عامرة آهلة، أهل تجارات ويسار، خزانة مكة ومطرح اليمن ومصر. وبها جامع سري، غير أنهم في تعب من الماء مع أن فيها بركاً كثيرة، ويحمل إليهم الماء من البعد، قد غلب عليها الفرس. لهم بها قصور عجيبة، وأزقتها مستقيمة، ووضعها حسن، شديدة الحر جداً». بينما وصفها الرحالة والجغرافي الإدريسي في كتابه الشهير نزهة المُشتاق في اختراق الآفاق، بقوله: «وهي فرضةٌ لأهل مكة وبينهما أربعون ميلاً، وهي مدينةٌ كبيرةٌ عامرة ٌتجاراتها كثيرةٌ وأهلها مياسيرٌ ذوو أموالٍ واسعةٍ وأحوالٍ حَسَنَة ومرابح ظاهرة، ولها موسمٌ قبل وقت الحَجِيج مشهودُ البَرَكَة تُنْفَق فيهِ البضائع المجلوبة والأمتعة المُنتخَبَة والذَّخَائر النَّفيسَة، وليسَ بعد مكَّة مدينة عن مدائن الحِجَاز أكثرُ من أهلها مالاً وأَحْسَنُ منهم حالاً، وبها والٍ من ناحية الهاشمي صاحِبُ مكَّة يقبض صدقاتها ولوازِمَهَا ومُكوسها ويحرس عمالتها، ولها مراكبٌ كثيرةٌ تتصرَّفُ إلى جهاتٍ كثيرةٍ، وبها مصائدُ للسَّمَكِ الكثيرِ والبقول بها مُمْكِنَة، وبهذه المدينة فيما يُذْكَرَ أُنْزِلَت حوَّاء منَ الجَنَّةِ وبها قبرها». كما ذكرها ابن جبير قائلا: «وجدة هذه قرية على ساحل البحر، أكثر بيوتها أخْصَاص، وفيها فنادق مبنية بالحجارة والطِّين، وفي أعلاها بيوت من الأخصاص كالغُرَف، ولها سطوحٌ يُسْتَراح فيها بالليل من أذى الحَر، وبهذه القرية آثار قديمة تدلُّ على أنها كانت مدينة قديمة، وأثر سُورها المُحدِّق بها باقٍ إلى اليوم، وبها موضع فيه قُبَّة مُشَيَّدَة عتيقة يُذْكَر أنَّهُ كان منزل حَوَّاء أم البشَر، صلى الله عليها، عند توجُّهِهَا إلى مَكَّة، فبُنِي ذلكَ المبنى عليه تشهيراً لبركته وفضله، والله أعلمُ بذلك، وفيها مسجدُ مباركٌ منسوبٌ إلى عمر بن الخطَّاب، رضي الله عنه، ومسجدٌ آخر لهُ ساريتان من خشب الآبنوس يُنسَب أيضاً إليه، ومنهم من ينسبه إلى هارون الرَّشيد، رحمة الله عليه، وأكثر سُكَّان هذه البلدة مع ما يليها من الصَّحراء والجبال أشْرَافٌ علويون: حَسنيُّونوحُسينيُّون وجعفريُّون، وبخارج هذه البلدة مصانع قديمة تدُلُّ على قِدَمِ اختطاطِها، ويُذْكر أنَّها كانت من مُدُن الفُرْس، وبها جِباب (جمع جُب أي البئر) منقورة في الحَجَر الصُّلْد يتَّصِل بعضها ببعض تفوت الإحصار كثرة وهي داخل البلد وخارجه، حتَّى إنهُم يزعمونَ أنَّ التي خارج البلد ثلاث مئة وستون جُبَّاً، ومثل ذلك داخل البلد، وعاينَّا نحنُ جُمْلة كثيرة لا يأخذها الإحصاء».[42]
ووصف الرحالة الفارسي المسلم ناصر خسرو جدة عندما زارها عام 1050 بأنها مدينة كثيرة الخيرات مزدهرة بالتجارة باسقة العمران ووصف أسواقها بأنها نظيفة وجيدة وقدر عدد سكانها بنحو 5000 نسمة.[43] وقال عنها الرحالة المغربي ابن بطوطة (المتوفي 1377): «وهي بلدة قديمة على ساحل البحر… كانت هذه السنة قليلة المطر، وكان الماء يجلب إلى جدة على مسيرة يوم وكان الحجاج يسألون الماء من أصحاب البيوت».[44]
لاحقاً تبدل حال السكان للحالة العامة التي يعيشها العالم الإسلامي في ظل الحروب الصليبية واضطراب الحكم بين السلاجقة والأيوبيين. وبعد قرن من الزمان تقريباً يخبر مؤرخ عربي آخر وهو ابن المجاور بأن شيئاً من الازدهار قد صادف جدة في عهده.[45]

خريطة تظهر فيها مدينة جدة، للجغرافي والرسام الامريكي هنري شينك تانر، قام برسمها في عام 1831.
استمرت جدة تحت نفوذ الدول الإسلامية المتعاقبة بدء بالأمويين والعباسيين فالأيوبيين ثم المماليك ثم الدولة العثمانية. وفي العصر المملوكي بسط المماليك نفوذهم على جدة لتأمين طرق التجارة والحج، وحماية الحرمين الشريفين، وعين السلطان المملوكي حاكماً عاماً لجدة أطلق عليه مسمى نائب جدة يطل مقر إقامته على الميناء ليشرف على حركته. ورغبةً من السلاطين المماليك في تشجيع التجار على استخدام ميناء جدة اتخذوا إجراءات عدة منها: تخفيض الرسوم الجمركية ومنع تجار مصر والشام من النزول في ميناء عدن ومضاعفة الرسوم الجمركية على التجار الذين يمرون على عدن قبل قدومهم إلى ميناء جدة.[46] قام السلطان قانصوه الغوري عام 915 هـ/1509 م ببناء سور جدة حماية لها من غارات السفن الأوروبية التي لم تهاجم المدينة إلا بعد وصول العثمانيين إليها، وقد كان السلطان قانصوه الغوري آخر السلاطين المماليك الذين حكموا جدة في القرن العاشر الهجري. تذكر بعض المصادر التاريخية أن المدينة بقيت أغلب فترات القرن الخامس عشر الميلادي مستقلة في الحكم حتى دخلت تحت حكم العثمانيين.[47]
بعد دخول الشام ومصر في نفوذ الدولة العثمانية، أعلن الشريف بركات، شريف مكة المكرمة، ولائه للدولة العثمانية وكان ذلك عام 931 هـ.[48] لاحقاً تعرضت جدة في أوائل العهد العثماني للعديد من غارات الأساطيل البرتغالية في القرن السادس عشر ميلادي العاشر الهجري ثم لغارات القراصنة الهولنديين في القرن السابع عشر الميلادي. وصل أسطول لوبو سوارس البرتغالي أمام جدة عام 1516 وقد صدته الحامية العثمانية بقيادة سليمان باشا وأسرت إحدى السفن وأرسلتها للآستانة، ثم في عام 1520، حاولت 24 قطعة من البحرية البرتغالية، بقيادة دييجو لوبيز دي سيكيرا، إعادة الدخول إلى البحر الأحمر، ولكن سفينة الأميرال تحطمت بين عدن وباب المندب. ثم تابعت البحرية البرتغالية التي لم تتمكن من التوجه إلى جدة بسبب غياب الرياح، إلى السواحل الأفريقية بعيدًا عن البحر الأحمر. وخلال القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت طرق التجارة البحرية في العالم قد ملكت من قبل البرتغاليين والهولنديين والإنجليز الأمر الذي جعل قيمة جدة الاقتصادية تنحدر وتقل ولولا وفود الحجيج والمعتمرين لما عاشت أو استمرت.[49]

السفينة (العملاقة) البريطانية التي قصفت جدة أثناء أحداث مايعرف بمذبحة جدة 1858.
في عام 1858 تعرضت جدة للغزو البحري من إحدى قطع الأسطول الإنجليزي والتي تسمى بمذبحة جدة 1858، وسبب ذلك أن صالح جوهر وهو أحد ملاك السفن بجدة، اشترى مركبًا عليه العلم الإنجليزي، فسعى إلى تغييره وإحلال علم الدولة العثمانية التي كانت تحكم الحجاز آنذاك محله، فغضب القنصل الإنجليزي وذهب إلى المركب، وأعاد العلم الإنجليزي إلى مكانه من السارية، وأشيع يومها في جدة أن القنصل الإنجليزي قد وطأ العلم العثماني بقدمه، وهو يطلق الكثير من الشتائم، فثارت ثائرة الناس، واقتحموا دار القنصل الإنجليزي وقتلوه، وقتلوا معه 20 من الدبلوماسيين والتجار الغربيين، بينما اضطر آخرون إلى الهرب سباحة إلى حيث ترسو إحدى قطع الأسطول الإنجليزي سيكلوب. وكانت الأجواء النفسية في جدة مهيأة لمثل تلك الحادثة، فقد أشيع قبلها أن شركة أجنبية للسفن البخارية تسعى إلى احتكار شؤون الملاحة بمساعدة بعض تجار المدينة وأثريائها، فجاءت تلك الحادثة لتشعل فتيل الغضب في المدينة. وعلى أثر تلك الحادثة، فتحت إحدى السفن الحربية الإنجليزية نيران مدافعها على جدة في 25 يوليو 1858، فلقي سبعة من السكان حتفهم من جراء تلك الغارة، وواصلت بريطانيا وفرنسا ضغطهما على الحكومة العثمانية، فساقت إلى ساحة الإعدام 11 شخصًا، ثم ألحقت بهم اثنين آخرين، أحدهما محتسب مدينة جدة، وسجنت ونفت آخرين ممن حامت حولهم الشكوك بالمشاركة في ذلك اليوم.[50][51][52][53]
بعد قيام الثورة العربية الكبرى وطرد العثمانيين من الحجاز على يد الشريف حسين، استمرت جدة كميناء رئيسي ومهم للحجاز، ثم بعد أن نشبت الحرب النجدية الحجازيةوسقوط الطائف ومكة بيد الملك عبد العزيز، تم حصار جدة في شهر يناير من عام 1925، ففرض الملك عبد العزيز الحصار على المدينة، ولما طال الحصار واستمر إلى ما يقرب من 12 شهرًا، طلب الملك عبد العزيز معونات عسكرية اضافية، فقدم الأمير فيصل بن عبد العزيز إلى جدة بقواته، ليشترك مع والده الملك عبد العزيز في الحصار، وبعد أيام استسلم الملك علي بن الحسين ودخلت القوات السعودية مدينة جدة. وتم توقيع اتفاقية تسليم جدة، حيث وُقعت الاتفاقية في يوم الخميس 1 جمادى الثانية 1344 هـالموافق 17 ديسمبر 1925.[55][56] حيث دخلت جدة تحت الحكم السعود
لموقع الجغرافي والمساحة
مقالة مفصلة: محافظة جدة
تقع مدينة جدة ضمن سهول تهامة على الساحل الغربي من المملكة العربية السعودية، عند التقاء خط العرض 21.54 شمالًا وخط الطول 39.7 شرقًا عند منتصف الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر جنوب مدار السرطان، ويوجد بامتداد ساحلها سلاسل متوازية من الشعب المرجانية.[61] مثّلت المدينة في السابق المنفذ الخارجي للمملكة، مما أكسبها أهمية كبرى في التجارة العالمية.[62]
تتبع المدينة لمحافظة جدة التابعة إداريًّا لمنطقة مكة المكرمة، وهي أكبر المدن الساحليّة في السعودية ويطلق عليها اسم “عروس البحر الأحمر”،[62] وتبلغ المساحة العمرانية للمدينة حوالي 84,658 هكتار (846.58 كـم2)،[62]وتُعد الأكبر في منطقة مكة المكرمة من حيث المساحة وعدد السكان، وتأتي في المرتبة الثانية وطنيًّا من حيث المساحة بعد مدينة الرياض.[62]
- الطرق السريعة
شبكة الطرق السريعة التي تربط مدينة جدة بباقي مدن المملكة:[63]
- طريق حقل – ضبا – ينبع – رابغ – جدة – الدرب – جازان – الطوال.
- طريق الدمام – الرياض – مكة المكرمة – جدة.
- طريق مكة المكرمة – جدة السريع.
- طريق جدة – المدينة المنورة السريع.
البلديات والأحياء السكنية
تنقسم مدينة جدة إلى 19 بلديّة تتبع لها 210 أحياء، وتُشرف عليها أمانة جدة. بلديّة جدة التاريخية، هي البلديّة الوحيدة التي لا تتبع لها أيّة أحياء. تلك البلديات هي:[64]
البلدية | عدد الأحياء | الأحياء السكنية |
---|---|---|
جدة التاريخية | – | – |
العزيزية | 5 | الأندلس، الحمراء، العزيزية، مشرفة، الرحاب. |
الشرفية | 5 | حي النسيم، حي بني مالك، حي الورود، حي الشرفية، حي الرويس. |
ثول | 26 | البهجة، البوادر، الجامعة، الحرة، الشرائع، الشمائل، العلاء، العويجاء، الكورنيش، المجد، المرج، المعرفة، المعيلية، الهجرة، الودية، الوسامي، الوئام، أم سدرة، بلدة ثول، ترفيهي، جوهرة ثول، حكومي1، حكومي2، حكومي3، رضوى، سليتة |
جدة الجديدة | 5 | الروضة، السلامة، الزهرة، الخالدية، الشاطيء. |
المطار | 4 | البدواي، الربوة، الفيصلية، النزهة. |
الجامعة | 6 | الثغر، الجامعة، الروابي، السليمانية، الفيحاء، جامعة الملك عبد العزيز. |
أبحر | 9 | أبحر الجنوبية، الأصالة، البساتين، الشاطئ، المحمدية، المرجان، النعيم، النهضة، مطار الملك عبد العزيز. |
أبحر الشمالية | 16 | أبحر الشمالية، الأمواج، البحيرات، الخليج، الزمرد، الزهور، الشراع، الصواري، الفردوس، الفنار، اللؤلو، المنارات، النجمة، النور، الياقوت، حكومي. |
أم السلم | 6 | الحرازات، الرغامة، المحاميد، المنتزهات، أم السلم، كتانة |
البغدادية | 9 | البغدادية الشرقية، البغدادية الغربية، البلد، السبيل، الصحيفة، العمارية، الكندرة، الميناء، الهنداوية. |
الجنوب | 26 | أبو جعالة، الأثير، الأجاويد، الأمير عبد المجيد، الأمير فواز الجنوبي، الأمير فواز الشمالي، البركة، التضامن، التعاون، الجوهرة، الرحمة، الرهناء، السنابل، السهل، الشفاء، العدل، العسيلة، العليا، الفضل، الفضيلة، الكرامة، المرسلات، المستقبل، الهدى، حكومي، صناعي. |
ذهبان | 24 | البشائر، الجزيرة، الدرة، الربيع، الرياض، الشرقية، الشويضي، العبير، العشيرية، العقيق، الغدير، الغربية، الفرقان، الفلاح، المجامع، المروج، المزيرعة، الهزاعية، اليسر، بلدية ذهبان، حكومي، طابة، طيبة، قباء. |
بريمان | 14 | الأجواد، التلال، الحجاز، الرواسي، الريان، السامر، الكوثر، العسلاء، المنار، المنتزه، أم حبلين الشرقية، أم حبلين الغربية، بريمان. |
طيبة | 18 | البدور، البشائر، البيان، التوفيق، الحجاز، الحمدانية، الرحمانية، الرياض، الصالحية، الصفحة، الصفوة، الفروسية، الفلاح، المودة، الندى، الوداد، الوفاء، صناعي. |
المليساء | 19 | الجوهرة، الخمرة، الرابية، الرمال، الساحل، السروات، السرور، الصناعية، الضاحية، القرينية، القوزين، المحجر، المرسى، المسرة، المليساء، الموج، الوادي، الوزيرية، قاعدة الملك فيصل. |
الصفا | 2 | الصفا، المروة. |
خزام | 8 | الثعالبة، الفاروق، القريات، النزلة الشرقية، النزلة اليمانية، بترومين، غليل، مدائن الفهد. |
أبرق الرغامة | 8 | الحفنة، الرغامة، الشروق، العسلاء، القوس، النخيل، الواحة، مريخ. |
المساحة وعدد السكان
سيدة من جدة بالزي الشعبي عام 1873.
يبلغ عدد السكان الدائمين في مدينة جدة ما مجموعة 4,082,184 نسمة موزعين على مساحة إجمالية تبلغ 84,658 هكتار (846.58 كـم2)،[7] وهو ما يُمثل نسبة 14% من عدد سكان السعودية، وبكثافة سكانية بلغت 4821.97 نسمة / كم2.[7] سجلت المدينة نسبةً عاليةً من الأعداد سكانية الشابة حيث تُشكل الفئات العمرية دون 24 عامًا ما نسبته 41% من إجمالي تعداد السكان.[7] تشهد المدينة أيضًا معدل نمو سكاني بنسبة 3.2 سنويًّا، ويُرجّح أن يتجاوز عدد السكان ما مجموعة 5,200,000 مليون نسمة بحلول عام 2033، ويُذكر أن المناطق الحضرية للمدينة شهدت نموًا عمرانيًّا بنسبة تزيد عن 400% منذ عام 1970، وسجلت زيادةً سكانيّة بنسبة تزيد عن 1000% في نفس الفترة.[7]
اتجاه نمو السكان ووحدات الأسر (تقديرات – 2010-2025):[65]
المناخ
يتأثر مناخ جدة مباشرة بموقعها الجغرافي حيث ترتفع درجة الحرارة ونسبة الرطوبة خلال فصل الصيف، وتصل درجة الحرارة إلى بداية الأربعينات مئوية حيث تقع تحت تأثير امتداد منخفض موسمي عبارة عن كتلة هوائية حارة وصلبة وتصل الرطوبة إلى معدلات أعلى في فصل الصيف بسبب ارتفاع حرارة مياه البحر وتنخفض في فصل الشتاء نتيجة لتأثير المنطقة بالكتلة الهوائية المعتدلة المرافقة للمرتفع الجوي.[66]
الرياح السائدة على مدينة جدة هي الرياح الشمالية الغربية وذلك لموقعها الساحلي على شاطئ البحر الأحمر وهذه الرياح عادة ما تكون رياحا خفيفة إلى معتدلة في معظم أيام السنة. كما تهب أحيانا رياح جنوبية خلال فصول الشتاء والربيع والخريف يصحبها ارتفاع في درجة الحرارة. والرياح قد تنشط أحيانا وتشتد سرعتها مثيرة لعواصف ترابية ورملية وقد تصحبها أيضا عواصف رعدية وهطول أمطار.[67]
معظم الأمطار من نوع الزخات المصحوبة بالعواصف الرعدية. وتهطل عادة خلال فصل الشتاء وكذلك في الربيع والخريف نتيجة لمرور المنخفضات الجوية من الغرب إلى الشرق والتقائها مع امتداد منخفض السودان الحراري على المنطقة.[