
مفهوم الحياء
الحياء
الحياء جعل الإسلام للأبواب الواسعة من الأخلاق والخصال مفتاحاً ومقياساً يبيّن جميلها وقبيحها، وهو خلق الحياء فهو حسن الخلق بعينه ويكون بالحياء من الله، ومن الناس، ومن النفس، ويعدّ علامة الإيمان فلا غرابة في أن يكون الحياء هو خلق الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: “إنَّ لكلِّ دينٍ خلُقاً، وخُلُق الإسلام الحياء”الحياء ثمرة الإيمان الحياء من صفات النفس المحمودة، وهو من خلق الكرام، وسمة أهل المرؤة والفضل وقد قيل فيه “من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه”. فالحياء يعد من الإيمان وذلك أنّ كلّ منهما داعٍ إلى الخير مقرّب منه، صارف عن الشرّ مبعد عنه؛ فمن لم يوجد فيه الحياء فذلك من ضعف الإيمان ومن اتباع الشيطان فمن لم يكترث ولم يبالي فيما يبدر منه من مظهره أو قوله وحركاته ذلك بسبب قلة الحياء. فالإيمان يبعث على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الله والتقصير في شكره فهو كالظل ملازم لصاحبه ذلك أنّه جزء من عقيدته وإيمانه ولا يأتي إلا بالخير، ويكون يالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس العكس فذلك ليس من الحياء في شيء. الحياء من صفات الرسل عليهم السلام يعد الحياء من صفات الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومما ورد في ذلك في وصف سيدنا موسى عليه السلام أنه كان حييًّاّ ستٍّيراّ فعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:” إنَّ موسى كان رجلًا حييًّا ستِّيرًا، لا يُرَى مِن جلده شيء استحياءً منه، فآذاه مَن آذاه مِن بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التَّستُّر إلَّا مِن عيب بجلده، إمَّا برص وإمَّا أُدْرَة وإمَّا آفة. وإنَّ الله أراد أن يبرِّئه ممَّا قالوا لموسى فخلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثمَّ اغتسل، فلمَّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنَّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملإٍ مِن بني إسرائيل، فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله، وأبرأه ممَّا يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فو الله إنَّ بالحجر لندبًا مِن أثر ضربه ثلاثًا، أو أربعًا، أو خمسًا”، فذلك قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا”. ثمرات الحياء للحياء ثمرات وفضائل كبيرة تعود على صاحبها ومن ذلك: هجرة المعصية والتقرّب من الله بالإقبال على الطاعات والعبادات. من استحى من الله ستره في الدنيا والآخره ويبعده عن كلّ ما يذمّه. أنه من الإيمان ومن صفات المتقين الأبرار ومن العفة والوفاء. يكسب صاحب الوقار فلا يفعل إلا الخير ولا يؤذي غيره ويمتنع به عن الفواحش. يجعل صاحبه يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وبذلك الأجر الكبير والفضل العظيم له وللأمة. نيل محبة الله ومحبة العباد وويكسب صاحبه التواضع والسكينة. رؤية العبد نعم الله عليه وعلو الهمة وشرف النفس. صيانة العرض والتسامح بين الناس والتحلّي بمكارم الأخلاق. سراج منيع وحصن حصين من الوقوع في المعاصي والمنكرات.
فهو ضرورة في حياة المرأة المسلمة:
إن الحياء سياج يصون كرامة المسلمة، ويحفظ لها سلوكها بعيدًا عن الفحش، وأقوالها بعيدًا عن البذاءة، وبهذا ترتفع به عن السفاسف، وعندما يخرق هذا السياج، ويذهب الحياء فإن المقاييس جميعها يصيبها الخلل، ويصدر عن المسلمة عندئذ ما لا يتناسب مع تفردها وتميزها، والتكريم الذي كرمه الله تعالى بها.
وقد قيل في الحكم: (من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه).
وقال أبو حاتم: (إن المرء إذا اشتد حياؤه، صان عرضه ودفن مساوئه ونشر محاسنه).
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: (من كسي الحياء ثوبه، لم ير الناس عيبه).
نماذج من حياء العفيفات
أثنى الله – عز وجل – على الفتاة العفيفة, ابنة الرجل الصالح قالت تعالى: “فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا، فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”(القصص – الآية 25).
ما بين الحياء والإيمان
فالحياء خاصية من الخصائص التي أوجدها الله في الإنسان وجعله مفطورًا عليه، ويعدّ من الأخلاق الرفيعة التي أمر الإسلام بها وأقرّها ورغّب فيها، فهو من صفات النفس المحمودة، وهو الدليل على الخير ومكارم الأخلاق لما فيه من مزايا وفضائل، ولكل هذا فإنه يعد زينة الإيمان .. فالحياء والإيمان متلازمان فلا يكتمل الإيمان بدون الحياء، فكل منهما داعٍ إلى الخير مقرب منه، صارف عن الشر مبعدٌ عنه.
قال نبينا عليه الصلاة والسلام: “إنَّ لكلِّ دينٍ خلُقًا، وخُلُق الإسلام الحياء”، وقد كان “عليه الصلاة والسلام” أشد حياءً من العذراء في خدرها، وما رُئي مادًا رجليه بين صحابته قط، فالحياء كله خير وهو خلق الإسلام.
وفى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”.
وفي الحديث أيضًا: “الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت”.
صور وأشكال الحياء
وللحياء صور وأشكال كثيرة منها:
الحياء من الله
حين يستقر في نفس العبد أن الله يراه، وأنه سبحانه معه في كل حين، فإنه يستحي من الله أن يراه مقصرًا في فريضة، أو مرتكبًا لمعصية.. قال الله عز وجل: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[العلق:14]. وقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16].
وقد قال النبي “صلى الله عليه وسلم” لأصحابه: “استحيوا من الله حق الحياء. فقالوا: يا رسول الله! إنا نستحي. قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء”.
الحياء من الملائكة
وعن هذا قال الصحابة: إن الملائكة معكم لا تفارقكم، فاستحيوا منهم وأكرموهم.
وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10- 12].
وقد قال ابن القيم رحمه الله : [أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟!]
الحياء من الناس
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.
وقال مجاهد: لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه.
وقد نصب النبي “صلى الله عليه وسلم” هذا الحياء حكمًا على أفعال المرء وجعله ضابطًا وميزانًا، فقال: “ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت”.
الحياء من النفس
كيف بمن استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه؟؟ فهل نفسه أقل عنده من غيره؟؟ فإذا هم الشخص بقبيح وتصور نفسه وكأنها شخص آخر يراه، فسيرجع فورًا، ويكون هذا الحياء من النفس بالعفة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة.
فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.
قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.
فالحياء كنز من الكنوز التي تعلي قدرك عند الله، فحافظ عليه ولا تفرط فيه مهما كانت المغريات.
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (صدق الله العظيم).